وانحنى إجلالاً للضيف وقد سرى إلى نفسه الدهش. . . فما رأى مثل هذا الرجل في عظمته ورفاهيته فقد كان سيمون هزيلا نحيفا، وميشيل صدعا رفيعاً. . . كما أن (مترونا) كانت ضاوية الجسد جافة العود. . .
أما هذا السيد، فيخيل لمن يراه أنه من عالم آخر وجنات مكتظة مليئة. . . ووجه مطهم شاعت فيه الحمرة الوردية، وجسد زهم كالفيل في هيئته وبدانته، وعنق أقمد كعنق الثور وما أن جلس على المقعد حتى قال (من منكم صاحب العمل؟!) فدنا منه سيمون وقال في صوت أصحل من الرهبة (أنا يا صاحب السعادة!!)
فصاح السيد بتابعه (هيا. . . أحضر الجلد. . . يا (فدكا) فلما أحضره، ووضعه على المائدة. . . قال السيد مشير إليه: - (أنظر أيها (الأسكاف) أترى هذا الجلد؟.)
- (أجل يا صاحب السعادة. . . إنه أثمن جلد رأيته في حياتي!.)
- (أبمقدورك أن تصنع لي حذاء منه؟!)
- (أجل يا صاحب السعادة!.
- (أتستطيع!؟ حسناً. . . فلا يغب عن بالك لمن سوف تصنع هذا الجلد الثمين. . . أستمع. . . ينبغي أن تجعل لي منه حذاء أحتذيه عاماً كاملا. . . لا يبلى ولا يخلق. أفهمت إن لم يكن بمقدورك هذا، فصارحني. . . فإني أود حذاء أحتذيه عاما بأكمله. . . وإني لأحذرك الآن وإلا فسوف يكون مستقرك السجن وإذا لم يبل في مدى عام. . . فسوف أمنحك عشر روبلات نظير ذلك. . .)
فارتعدت فرائص (سيمون) وعجز عن الكلام. . . والتفت إلى (ميشيل) ووكزه قائلاً في همس وحسيس (أنأخذ هذا العمل على عاتقنا؟!) فأومأ (ميشيل) برأسه موافقاً. . . فانفرجت أسارير (سيمون) وسرى عنه همه وجزعه. . . وراح يقيس قدم السيد. . . يتعرف عسيبها ويقدر أخمصها. . . ويسجل ذلك على وريقة تعنيه على صنع الحذاء. . . فلما انتهى من ذلك قال له السيد وهو يجول طرفه في أرجاء الكوخ.
- (لا تجعلها تضيق بقدمي!.). . . فلما وقع طرفه على (ميشيل) قال في تساؤل: