فتحدث السيد الجليل إلى ميشيل قائلا (أنت يا ذا. . . لا يغيب عن بالك أني أود حذاء مريحاً. . . يمكث عندي سنة. . . هه. . . سنة بأكملها!.)
نظر (سيمون) إلى (ميشيل). . . وكان هذا يحدق في ركن الغرفة فوق السيد. . . وقد شرد خياله عما هم فيه. . .
. وكان يحدق. . . ويحدق، وعلى غرة ارتسمت على ثغره تلك الابتسامة العذبة، وأشرق وجهه وأضاء. . . فزمجر السيد قائلا:
- (فيم تحملق أيها الأبله؟! خير لك أن تنظر إلى ما يدر عليك رزقك!.)
فقال سيمون (سيعد لك الحذاء يا صاحب السعادة. . . في الحال. . .) فنهض السيد وهم بالخروج والغضب يحمر في عينيه، واستقر في عربته فانطلقت تجلجل أجراسها. . . فلما اختفت في منعطف الطريق. . . قال سيمون - وما زال الدهش يسيطر على نفسه - (هذا مثال لإنسان جبار. . . لا يقتله المرؤ ولو بمطرقة. . . وأحسب الموت يتخوف من جبروته. . . فلا يمس له جسداً!.) ثم حدث ميشيل قائلاً:
(حسناً لقد أخذنا على عاتقنا أن نصنع حذاء له. . . ولكن ينبغي ألا يكون ذلك سبباً في متاعب جديدة. . إن الجلد لثمين وإن صاحبه لجاد في طبعه. . . فيجب ألا نخطئ معه هيا. . . يا ميشيل، إن عينيك أدق من عيني، ويديك أبرع من يدي، فهاك الجلد، فقطعه حسب المقياس. . . وسوف أخيطه أنا!.)
فبسط (ميشيل الجلد على المقطع ثم طواه طية واحدة. . . وراح يقطعه بالأزميل. . .
كانت (مترونا) ترقبه في عجب ودهش. . . فقد طالما كيف تحذي النعال وأدركت أن (ميشيل) لا يقطع الجلد على طريقة الأحذية. . . بل لشئ آخر لا تعرفه هي، فقالت في نفسها (لعلي لا أعرف شيئاً عن صناعة الأحذية للسادة والأشراف!. وأحسب أن ميشيل يعرف المزيد عنها. . . سوف لا أتطفل عليه!.)
فلما فرغ ميشيل من القطع. . . أمسك بخيط واحد وراح يخيط الجلد - كأنه من الخفاف - لا بخيطين كما تخيط الأحذية فعاد الدهش إلى (مترونا) من جديد. . . غير أنها أمسكت عن تدخلها. . .
ومكث ميشيل يعمل حتى وافت الظهيرة. . . وقام سيمون يلقي نظره إلى ما أتمه ميشيل. .