سبيل استمساكه بها من عنت وشدة، ولقد ترك لغيره في الجملة العمل على شرح الجوانب المقبولة من عقيدته الدينية والسياسية والدفاع عنها؛ أما هو فقد جعل من نصيبه أن يؤيد العقائد التي سخروا منها لأنهم زعموا أنها متناقضة، فقد ذاد عن حق إباحة الطلاق وأيد إعدام الملك وهاجم نظام التعليم السائد في أيامه وإن عمل الخير الذي يشع النور ليشبه في آلهة الخرافة عمل إله الضوء والخصب)
والحق أن الدفاع عن الحرية كان هدفه في معظم ما كتب، فقد دافع عن الحرية الدينية بحربه على القساوسة وعن حرية النشر بحملته على الرقابة، وعن حرية الضمير بالطعن على البرسبتيرينز وعن حرية الأسرة بإنكار ما ينطوي عليه قانون الزواج من استبداد أو عن الحرية المدنية كما سنفصله في حينه بإعلانه السخط على طغيان التاج. . .
ولكن بعض النقاد يردون ذلك إلى دوافع شخصية محاولين بذلك أن يبخسوه أعماله، فيقولون إنه هاجم القساوسة لأنهم أبعدوه عن الكنيسة، ويدافع عن حق إباحة الطلاق لما صادف في زواجه من خيبة، ويغضب على البرسبتيرينز وينعتهم بضيق العقل لأنهم لم يقروه على ما ذهب إليه في أمر الطلاق ويدعو إلى حرية النشر لأنهم أرادوا أن يخنقوا كتبه. . .
وليس في وسعنا أن ننكر تلك الدوافع الشخصية التي يشير إليها هؤلاء النقاد، فإن شدة شعور ملتن بذاته من أبرز مقومات شخصيته منذ نشأته وأكثر تصرفاته إنما تتم بدافع من ذلك الشعور، ما في ذلك ريب، ولكنا لا نفهم كيف ينتقص ذلك من قدره وكيف يعد عليه ولا يعد له؟
هذا رجل يرى حياته وحياة غيره بالضرورة محفوفة بقيود من القانون والعرف، فيأبى على القيد ويثور لا يريد أن يهدأ حتى يقضي على ما استرق الناس من عباداتهم ومما جرى به العرف بينهم ومما وضعت القوانين من الأغلال في أعناقهم، فماذا يدل عليه ذلك إن لم يدل على شخصية قوية ونفس أبية وضمير حر؟
وهل جاهد ما جاهد في غير عدو؟ ألم يكن على حق فيما أنكر من عيوب عصره؟ إن كانت تلك العيوب قائمة حقاً فلا يمكن أن يقال إن أهواءه ومطالب نفسه هي التي سيطرت على فكره؛ فلا يبقى إلا أن دوافع شخصية حركته وهذا إنما يدل على أنه أحس قبل أن