فلما بدأ الرجل يحدثها عن الله عز وجل، لان قلبها ومال إلى فؤادها. . . فأحضرت لي الطعام، ونظرت إلى وجهي في عطف وشفقة. . . فعرفت في شخصها وجود الله. . .
فتذكرت أولى الحقائق الثلاث التي أمرني الله بأن أعلمها (ما الذي فطر عليه الإنسان؟!.).
فأدركت أن الذي فطر عليه الإنسان هو (الحب)!! وقد تولتني البهجة حينما علمت أن الله أوحى إليَّ بالدرس الأول. . . فافتر ثغري عن الابتسامة الأولى. . . ولكن بقي على أن أتعلم الحقيقتين الأخرتين:(ما الذي حرم منه الإنسان؟!) و (ما الذي يعيش به الإنسان؟!).
(مضى عام وأنا أعيش بينكم. . فلما أتى ذلك السيد الجليل يأمرنا بصنع حذاء له على ألا يبلى أو يخلق قبل أن تنقضي سنة على ذلك. . . نظرت إليه. . . وعلى حين غرة لمحت فوق رأسه رفيقي (ملاك الموت) ولم يره أحد سواي. . . ولكني عرفته، وأدركت أن الشمس لن تغيب عن الأفق إلا وقد غابت روح ذلك الرجل عن جسده. . . فتعجبت. . . إن هذه الرجل يعد العدة لعام بأكمله. . . ولا يحسب أن قضاءه قد حم. . . وأن المساء لن يأتي عليه إلا وجثته مسجاة هامدة. . .).
فتذكرت الحقيقة الثانية، فكأن الله يوحي إلى أن تعلم (ما الذي حرم منه الإنسان؟) فابتسمت للمرة الثانية. . .
ومكثت أنتظر أن يوحي إلى الله بالحقيقة الثالثة (ما الذي يعيش به الإنسان؟!).
وفي العام السادس. جاءت امرأة ومعها توأمتان صغيرتان فعرفت الطفلتين وعرفت أن الله قد قيض لهما من كان أحن عليهما من أمهما. . . فعاشتا وترعرعتا.!
ولما سمعت ما قصته علينا من كفلتهما رحت أفكر مستغرقاً (لقد توسلت إلى أن أدعها حية حتى ترعى الطفلتين. . . الضعيفتين. . . واعتقدت أنها على حق حينما قالت (إن الأطفال لا تحتمل العيش دون أب أو أم. . .) بيد أن امرأة غريبة عنهما كفلتهما حتى نمتا وشبتا. . . وأدركت مبلغ ذلك الحب الذي يختلج بين جوانح بين تلك الظئر الحاضنة. . . فرأيت في شخصها وجود الله. . . وتعلمت الحقيقة الثالثة وهي (ما الذي يعيش به الإنسان؟!). . . إنه (الحب). . . وعلمت أن الله أوحى إلي بالدرس الأخير. . . وأنه عفى عما تقدم ذنبي ومن عصيان أمره على غير بصيره. . . فكانت الابتسامة الثالثة!!.)
أضحى (الملاك) وهوَ عار مما عليه. . . يشع من جسه نور قوي يبهر الأبصار. . .