للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من كلُّ شيء غيرها لأنها ترينا كم ضحى ملتن من أذواقه واحساساته الخاصة لينجز ما يعتقد أنه واجبه نحو الإنسانية؛ وإن كفاحه لهو بعينه كفاح عطيل النبيل، ذلك الذي يرق قلبه ولكن يده ثابتة، والذي لم يأت عملا قط عن كراهة يل فعل ما فعله كله بدافع الشرف فهو يقبل خادعته الحسناء قبل أن يهلكها).

ويخيل إلينا أنه وقد رأى شعره في كتاب يلقاه منشوراً يتداوله الناس قد عاود نفسه الحنين إلى النظم، وتمنى لو ترك ضجيج الحرب وأنبائها وعاد إلى محراب الفن، ومن ثم كانت مقطوعته عن الساحرة التي نظمها سنة١٦٤٥ والتي جعل عنوانها (إلى صديقي هنري لو)؛ وكان لو هو الذي لحن له بعض أغاني أركادس وكومسي كما أسلفنا ومثل دور الروح الحارس في الغنائية الثانية وبين الشاعر والملحن من صدر شبابهما محبة ومودة توثقت عراها ولو أن لو كان ملكياً، ولكن فنه كان أعز على صاحبه من أن يتجافاه بسبب الاختلاف المذهبي بينهما مهما اشتد كما أنه كان لشخصه عند ملتن مكانة لا تدانيها لأحد غيره مكانة. وفي هذه المقطوعة يرفع ملتن قدر لو ويعزو إليه فضل تهذيب الموسيقى في قومه. ذلك الفضل الذي لن تنساه العصور المقبلة، كما أنها لن تنسى عظيم صيته، ويقول لصاحبه في ختامها (لقد مجدت الشعر، وعلى الشعر أن يحلق كيما يمجدك. . . ولسوف يأذن دانتي للصيت أن يرفعك مكانا أعلى من مكان مغنيه كازلاً الذي لاطفة كيما يني له إذ لقيه في المطهر في غبش الجحيم)

ولكن الشاعر لا يكاد يلمس بكفه هذه الأوتار الهادئة الساحرة التي طال به عهد هجرانه إياها وعاوده الحنين إليها حتى يدعها إلى أوتار صاخبة ترن رنيناً مزعجاً مثل ضوضاء المعركة، فقد مس أذنيه طنين هو بقية سخط البرسبتيرينز على آرائه في الطلاق، فنظم سنة ١٦٤٦ مقطوعة عاوده فيها عنفه وصرامة هجائه ونشرها تحت هذا العنوان (إلى مستكرهي الضمائر الجدد في عهد البرلمان الطويل) وفيها يرمي البرسبتيرينز بتهم قاسية. فيقول إنهم ذلك إلا ليكرهوهم بمبادئهم ضمائر الناس التي حررها المسيح، وأنهم لم يكونوا خيراً من القساوسة الذين قوضوا سلطانهم لا بدافع النقمة على آثامهم بل بدافع حسدهم إياهم على تلك الآثام، ثم يتوعدهم الشاعر بكشف الستار عن ألاعبهم ومكرهم ويستعدى عليهم البرلمان، ويذكر أسماء بعض رجالهم فيسخر منهم ويتجاهلهم، ويختتم مقطوعته

<<  <  ج:
ص:  >  >>