للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- كان ربان السفينة التي تسافر بين سنغافورة وكوتشنج ينزل في نفس الفندق الذي نزل فيه الهولاندي بمدينة فانويك في فترات الراحة بين كل رحلة وأخرى. فأنتهز الهولاندي هذه الفرصة الطيبة وترك أمتعته في الفندق ليظلل الصيني وذهب إلى ربان السفينة واتفق معه على أن يمكث في سفينته إلى أن يحين موعد سفرها فقبل الربان ذلك عن طيب خاطر بعد أن نفحه الهولاندي مبلغا كبيراً من المال. وهنالك هدأت اعصابه، وأطمأن خاطره بعض الشيء، وظن انه اصبح بمنجاة من خطر هذا الصيني الذي لم يكن يهتم بشيء قدر اهتمامه بالهرب منه، والفرار من وجهه، والذي اقلق باله، واقض مضجعه، وجعل حياته سلسلة من الألم المتواصل، والعذاب المستمر! وقد شعر بالاطمئنان عند ما وصل إلى كوتشنج، فنزل في فندق منعزل هناك. ولكنه اخبرني انه لم يكن يستطيع النوم بأي حال لان وجه هذا الصيني كان يتمثل له في أحلامه على الدوام، وكثيرا ما كان يراه في خلال نومه وقد امسك في يده خنجرا حادا يلمع نصله المميت في الفضاء، ويهوي به بشدة وعنف على عنقه، فيقوم من نومه فزعا مذعورا، وينتفض جسمه النحيل من شدة الرعب والهلع. وقد شعرت في الحقيقة بحزن عميق، وتأثر كبير نحو هذا الهولاندي التعس وهو يروي لي قصته بصوت أجش مبحوح، ولهجة مترددة متقطعة النبرات من تأثير هذا الرعب الذي استولى عليه. وقد أدركت حينئذ سبب ذلك الخوف الذي استولى عليه حينما دفع سكرتيري باب مكتبي فجأة، وفهمت سر تلك النظرات المتحيرة التي لاحظتها في عينيه، والتي لم يكن لها في الواقع من سبب سوى هذا الخوف وحده دون سواه.

وفي ذات يوم بينما كان يطل من نافذة أحد الأندية في كوتشنج إذ لمح الصيني يمشى في الشارع على مقربة منه! وقد التقت نظراتهما في هذه المرة أيضا! وكاد يغمى على الهولاندي من هول المفاجأة لولا أن تمالك أعصابه وامسك بحافة النافذة بكلتا يديه. وقد خطرت له حينئذ فكرة الهرب من ذلك المكان فغادره على الفور وجاء إلى هنا دون أن يأتي معه بشيء من أمتعته سوى تلك القيثارة التي ما زلت محتفظا بها عندي إلى الآن. وقد كان متأكدا في هذه المرة من أن الصيني لم يتبعه إلى هذا المكان البعيد.

وهنا قاطعت حديث مضيفي وألقيت عليه هذا السؤل:

- ولماذا اختار الهولاندي هذا المكان دون سواه؟ فأطرق رفيقي برأسه إلى الأرض مفكرا

<<  <  ج:
ص:  >  >>