وأمم كثيرة قبلنا كانت متفرقة مقهورة، فكتب الله لها أن تجتمع حزمتها ثانية، وان تعز بعد ذل، وتعلو بعد هبوط. ولكن كانت (التضحية) هي القائد، وكان (الفدى) هو الدليل.)
وأما المؤرخ (الذي يصور دقائق مجتمعه الذي يعيش فيه) فهو الأستاذ عارف العارف - وقد بدأ حياته الأدبية، يوم كان أسيرا في (سيبريا) أثناء الحرب الكونية الأولى. إذ أصدر هناك جريدة اسماها (ناقة الله) كان يحررها بنفسه. وقد اطلعت على بعض أعدادها التي مازال يحتفظ بها فألفيتها غاية في الطرافة.
ثم ألف كتاباً عنوانه (رؤياي) أثناء عودته (فاراً) من منفاه، عن طريق الصين فالهند، استجابة لداعي الثورة العربية الكبرى، بعد أن أضرم نارها يوم ذاك المجاهد الأكبر (الحسين ابن علي)، الذي قضى شهيد تلك الدعوة المباركة، ليرقد بعيدا عن مسقط رأسه عند مهوى الأفئدة، ومؤتم القلوب والأبصار، عند المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله. وكذلك قضى (الأخيار المصطفون) من أبنائه (علّى وفيصل وغازي)، وإنك - كائناً من كنت لتعلم من (أولئك)!!
ولقد ضمن الأستاذ (العارف) كتابه (رؤياي) ما كان يساور خاطره الفتى - إذ ذاك - من أحلام ذهبية مشرقة، وآمال باسمات عذاب. وحسبك من ذلك تعلم نبوءته ب (الجامعة العربية). ولم تكن هنالك للعرب دولة. بل لم تكن قامت لهم - بعد - قائمة. فأبصرها - فيما أبصر - ينتظم عقدها من كافة أقطار العروبة، بما في ذلك: عمان والبحرين وحضرموت وطرابلس وتونس والجزائر ومراكش. كما أبصر لهذه الجامعة هيئة تنفيذية أسماها (اللجنة العربية العليا)، وهي تقوم على إمضاء ما تقره تلك الجامعة مما فيه صالح العرب قاطبة، يعززها جيش لجب مدرب، وأساطيل كثيفة، تمخر عباب الماء وتغمر عنان السماء. . .
ويمضى في (رؤياه) على هذه الوتيرة، يعدد ما يشاهده من مفاخر هذه الأمة، ويستعرض ما تكون قد وصلت إليه في ميادين التقدم والرفعة والمجد. فنرجو الله أن يحقق تلك الرؤيا كاملة غير منقوصة، بعد أن تحقق جانب منها. وما ذلك على الله بعزيز.
وللأستاذ (العارف) كتاب (القضاء بين البدو) وهو أول كتاب من نوعه، ترجم إلى عدة لغات، وفيه تصوير بارع لحياة البادية وتقاليدها وعاداتها ونظمها، وما يتقيد به البدوي في