للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الذي تتغلب في نفسه العاطفة على العقل!

ويضع ملتن القساوسة في موضع الشيطان، فانهم في رأيه أشد أعوان الملك على الطغيان، وأكبر سند له فيما يتمادى فيه من غي وظلم، ولا يعني بالقساوسة الكاثوليك منهم فحسب، وإنما يعني كل محب لنفسه شره تحركه الأطماع الدنيا، قيدين للطغيان، ويتخذ من الطاغية نصيراً، ويدافع عنه حتى ليكون حياله كعبدة الأصنام، ويعود فيوجه ملتن سهامه إلى البرسبتيررينز ويلقى على كواهلهم تبعة ما لاقته المملكة من شر على يد شارل، وينكر عليهم انتماءهم إلى الدين بأي وجه، أو صلتهم بالمسيح إلا ما يكون من مظهر لهم جرى به العرف، وهم فيما عدا ذلك ذئاب جائعة لا تشبع بطونهم مهما كان مبلغهم من الثروة، وكلما وصلت إلى الثراء العريض أيديهم الآثمة على حساب الفقراء والمساكين قالوا هل من مزيد، ولا وازع لهم من دين ولا من ضمير!

وكان حرياً أن يثير هذا الكتيب اهتمام القائمين على أمر الدولة، وأن يسرهم هذا الدفاع عنهم وقد جاء في أبانه، ورأوا أن رجل كمؤلفه علما واسع الثقافة شجاعاً لا يخاف في الحق شيئاً، فصيحاً لا يعي لسانه أمر مهما عظم، هو خليق بأن يعول عليه كدعامة من دعائم الحكم الجديد، ولذلك لم يلبث ملتن أن قلد وظيفة ذات خطر، فقد جعل قيما على ديوان الرسائل الأجنبية في مجلس الدولة. . . والواقع أن هذه الوظيفة لم تكن إلا ستاراً، فقد كان ملتن رجل القلم والفكر، والمدافع عن الجمهورية الوليدة، وظل في منصبة هذا يدافع عن الدولة ويرد على كل نقد أو تهجم، ويكتب ما يوحي به كرمول مما يريد أن يلقيه من إنجلترا وعلى أوربا من ضروب القول وأوجه الرأي.

ويتساءل المؤرخون عما دفعه إلى قبول ذلك المنصب، أكان ذلك رغبة منه في مظاهرة هذه الحكومة ومناصرتها لما توسم فيها من نصرة الحرية، أم كان الحاجة إلى المال، أم كان عن رغبة منه في مراسلو ذوي المكانة من الأجانب، أم أن كبرياءه وذهابه بنفسه وإحساسه بما قدره لشخصه من سمو المنزلة، جعله يطيب نفساً بمثوبة الحكومة إياه، إذ يحس في عملها هذا نوعاً من الاعتراف بقدرة وخطره؟

ومهما يكن من أمر منصبه الذي ارتضاه، فما أبعده عن ذلك الخيال الجميل الذي منى نفسه به قبل ذلك بثمانية أعوام حين تنبأ بفجر بهيج يوشك أن يهل على إنجلترا نوره، وبشر

<<  <  ج:
ص:  >  >>