للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وهل بعد رد الله تعالى على الملائكة حينما قالوا (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) بقوله (أني اعلم ما لا تعلمون) يصح أن نعترض كما اعترضوا، ونجعل حجتنا في السخط عليه هي ما نراه من ظواهر الفساد وسفك الدماء بعد أن نظر الله إليها في مجموعها نظرة اغتفار وسماح في سبيل تحقيق الغاية الكبرى من حياة هذا النوع؟

إن أسرار قصة آدم هذه كما أوردها القرآن في أوائل سورة البقرة، اعظم مفتاح للغز الحياة، واعظم تاج على رأس البشرية، واعظم صوت يطرد اليأس من مستقبل الإنسان، واعظم تفسير لما يبدو من شروره، واعظم دافع إلى الكفاح لتحقيق كماله المرجو!.

وإني دائما أقول: أنه يجب على المفكرين إلا يسرعوا بحكمهم النهائي على الإنسانية، مع أنهم لم يتبينوا خاتمة حياتها، ولم يدركوا (القطفة) الأخيرة من ثمارها. . . ولعلها لا تزال في دور الشباب الطائش، ولعل وراء طيشها كهولة عاقلة. وما دام الله تعالى لم ييئس منها - ولن تفوت عليه تعالى غاية أرادها - فينبغي لنا ألا نيئس منها كذلك، فما دام يسمح بخروج بذرة إنسانية، فلا تزال الغايات والنتائج الصالحة منها، بعضها يتحقق وبعضها ينتظر تحقيقه.

وما عهدنا نوعا ما في الطبيعة سلك غير الطريق التي رسمها له الله (أعطى كل شيء خلقه ثم هدى)، فلماذا يستثنى الإنسان ويجعله يسير في غير طريقه التي رسمها له؟ وفيما ذا يكون الاستثناء في الإنسان أثمن شيء في الأرض؟!.

ولم يدر صديقي - وهو الباحث الديني - أن الله تعالى لا يجوز عليه عقلا أن ينعى على الإنسان صفات وطبائع هو الذي قسره عليها وحدها وأخرجه في قوالبها، وصوره من نطفة أمشاج وأخلاطا من قوى ومواد عمياء ليبتليه، فليس الإنسان إذا ملوما ما دام قد طبع على أن يكون فقط كفور أو هلوعا وجزوعا وكنودا وعجولا وقتورا وضعيفا وجدلا. . . الخ.

وما كان القرآن - وهو كلام الله الذي كرم الإنسان الأول ودافع عنه أمام الملائكة وأمرهم بالسجود له وخصه بعلم غيب السماوات والأرض وطرد إبليس من الجنة حينما استكبر عليه - ليناقض نفسه في قضية الإنسان، ويقصد إلى ما فهمه الأستاذ وأمثاله ممن يسوقون دائما هذه الآيات التي ذكرها هو في مقام الاعتراض علي.

إنما القرآن في هذه الآيات يصف طبائع الشر التي في الإنسان كما يصف طبائع الخير

<<  <  ج:
ص:  >  >>