فيه، ولم تفد هذه الآيات أن طبيعته مقصورة على الشر وحده، فإذا وقع منه الشر، فهو جدير به لأن في طبيعته جانبا للشر، وإذا وقع منه الخير، فهو جدير به أيضا، لأن في طبيعته جانبا للخير أيضا:(إنّا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا)، (وهديناه النجدين)، (لقد خلقنا الإنسان في احسن تقويم، ثم رددناه اسفل سافلين إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات)، (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها)، (أن ربك واسع المغفرة، هو اعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض، وأذ أن تم أجنة في بطون أمهاتكم، فلا تزكوا أنفسكم هو اعلم بمن اتقى).
فإذا قال القرآن:(أن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الضر جزوعا، وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين)، فهو يقرر أن من طبع الإنسان هذه الصفات، لأنه (خلق) عليها، فليقاومها بما يمحوها أو يعدلها كالمداومة على الصلوات والزكاة وأمانة العهد، وغير هذه من صفات الخير التي ذكرت وراء الآيات السابقة.
وإذا قال:(ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير، وكان الإنسان عجولا). فهو يقرر كذلك أن من طبيعة الإنسان التي خلقه الله عليها العجلة:(خلق الإنسان من عجل، سأريكم آياتي فلا تستعجلون). ولذلك يجب التريث والصبر والسكينة وعدم اختلاس حق الأيام في إنضاج الثمار حسب قوانين الله التي وضعها
وإذا قال القرآن (وخلق الإنسان ضعيفا). فهو فعلا قد خلق من شيء تافه ضعيف:(الله الذي خلقكم من ضعف، ثم جعل من بعد ضعف قوة)، (أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة، فإذا هو خصيم مبين).
وهكذا سائر الآيات التي ذكرها الأستاذ تنبه إلى ما طبع عليه الإنسان من صفات الشر ليحذرها ولا يستسلم لها، وليقاومها بطباع الخير التي طبع عليها أيضا. ولو لم يورد القرآن تلك الطباع في معرض الذم حينما يستعرض أفعال الاشرار، ما تنبه أكثر الناس إلى أنها طباع شر يجب الحذر من نتائج الاستسلام لها، وكيف يتنبهون إلى أنها شر ما داموا يجدونها في طبيعتهم
والقرآن وهو كتاب تربية، ما كان له أن يغفل الحملة العنيفة على طباع الشر في الإنسان والإنحاء عليها باللوم والإزراء، حتى ينبه الإنسان إلى خطرها في قذفه إلى اسفل سافلين