لقد نصر الأمام على الأعادي ... وأضحى الملك موطود العماد
أمير المؤمنين اسلم فقد ما ... نفيت الغي عنا بالرشاد
تدارك عبدنا الدنيا فقرت ... وعم نداك أفاق البلاد
ولقد هبت في عهد المستعين بالله زعازع شديدة تنبئ بزوال دولته نظرا لقوة أنصار المعتز بالله غريمه الأول ومنافسه الألد فرأى البحتري أن يحتاط لنفسه فأرسل للمعتز في سجنه قصيدة تنبئ عن ولاءه، وكان قد قالها قبل ذلك في حبس سعيد بن يوسف ولكنه كما قلنا - فيما تقدم - شاعر تجاري يتصرف في شعره كما شاء ومما جاء في هذه القصيدة:
جعلنا فداك، الدهر ليس بمنفك ... من الحادث المشكو والنازل المشكي
وقد هذبتك الحادثات وإنما ... صف الذهب الإبريز قبلك بالسبك
على أنه قد ضيم في حبسك الهدى ... وأضحى بك الإسلام في قبضة الشرك
أما في نبي الله يوسف أسوة ... لمثلك محبوسا على الجور والإفك
أقام جميل الصبر في السجن برهة ... فآل به الصبر الجميل إلى الملك
وكأني بالبحتري وقد خاف أن يعلم المستعين بالله نبأ هذه المراسلة فتقدم إليه عصماء مظهرا ولاءه ووفاءه قائلا في ديباجة مشرقة وأسلوب سلس:
بقيت مسلما للمسلمينا ... وعشت خليفة لله فينا
فقد أنسيتنا بذلا وعدلا ... أُبوَّتك الهداة الراشدينا
أراد الله أن تبقى معانا ... فقدر أن تسمى مستعينا
إذا الخلفاء عدّوا يوم فخر ... سبقت سراتهم سبقا مبينا
وقيناك المنون وأن حظا ... لنا في أن نوقيك المنونا
وبعد أن أمن على نفسه من ناحية المستعين اخذ يراسل المعتز بالله من جديد فهو يقول في مخاطبة غلامه نائل:
ألا هل يرجع العيش لنا مثل الذي كانا
وهل ترجع يا نائل بالمعتز دنيانا
عدمت الجسد الملقى على كرسي سليمانا
فقد اصبح للعنة نقلاه ويقلانا