هوى الرياح والأمطار يطفو ويرسب! فهل يكون بذلك شأني أعظم ومقامي أرفع؟ ولماذا وكل ما هنالك أسم؟! وهل تسأل البجعة الطائرة في جو السماء إذا كان ظلها لا يزال طافيا على أديم هذه الغبراء؟!
تسألني لماذا كنت أغني؟ سل البلبل لماذا تتجاوب أغاريده وأناشيد الجدول طوال الليل؟! أنا أنشد يا صحابي كما يتنفس الإنسان، ويشدو العصفور، ويعزف الهواء، ويخر الماء!
الحب والدعاء والغناء ثلاث تقسَّمن كل حياتي!. . ولم آسُ ساعة الموت على فائت مما يتشوف إليه الناس في دنياهم إلا على زفرة حارة تتصَّعد الى الله، وسكرة طروبة تهبط من القيثار، وصمتة عاشقة تعمق حين يتعانق قلب وقلب!
إن مثولك خاشعاً أمام الجمال تسمع رجفان أوتار المزِْهر، وترى حديث الهوى يمتزج مع أنغامه ويسري في حشاك، وتستقر الدموع من العين المعبودة كما يستقر النسيمأنداء الفجر من الزهرة المطلولة. . .
وترى طافها الشاكي يصَعَّد حزيناً في السماء كأنما يطير مع النغم، ثم يرتد واقعاً عليك وهو بالحرارة العفيفة يجيش، وتبصر من خلال أهدابها المسبلة شعاع نفسها كالنار المضطربة في حالك الليل البهيم. . .
وترى ظلال أفكارها على جبينها الزاهر ترف، والكلام على شفتيها المثقلتين يموت، ثم تسمع بعد هذا الصمت الطويل هذه الكلمة ترن حتى تبلغ أذن الجوزاء! هذه الكلمة، كلمة الآلهة والناس هي:(إني احبك!)
ذلك هو الذي يساوي في الحياة زفرة!!
زفرة!! حسرة!! كلام لا معنى له!
على جناح الموت، روحي تطير إلى السماء! تطير حيث ترى العين شعاع الأمل يضيء! تطير إلى حيث طارت النغمة التي خرجت من مزهري! تطير إلى حيث صعدت جميع زفراتي!.
الإيمان (وهو عين الروح) قد اخترق ظلماتي كما تخترق عين العصفور ما وراء الظلال الحزينة. ثم باحت لي غريزته النبوية بما إستسر من حظي! وكم مرة اقتحمت نفسي آفاق المستقبل حتى بلغت السماء محمولة على أجنحة اللهيب، فتقدمت بذلك الموت!