وعظيم خطرهم لا عند الجمهور ولكن عند الحكام. فبهم يجتذب الرأي العام ولأقلامهم المشروعة مثل ما للسيوف من اثر أو كانت ابعد من ذلك شانا، وكان المتبع أن يستأجر الحكام هؤلاء الكتاب ليصنعوا ما تصنع الصحافة اليوم من دفاع وتهيئة للأذهان، ونشر لما يراد نشره من الآراء.
وكان سلامسيس قمة من القمم الشوامخ تتنازعه الجامعات والعواصم ويحب البابا أن يستأثر به فيبقيه عنده في روما، بينما يعمل الملوك على إغرائه بزيارتهم والإقامة عندهم، وكان هذا الرجل واسع الأفق، قلما وجد ند له فيما قرأ ودرس من الكتب؛ لذلك كانت استجابته لشارل الثاني كسبا عظيما لهذا الذي يهمه الدفاع عن أبيه، وقد كتب دفاعه ولم يأخذ عليه أجرا كما يرجح أكثر المؤرخين، ونستطيع أن نتصور مبلغ ما أحدثه كتاب مثل كتابه من أثر في إنجلترا وفي أوربا، كما نستطيع أن نتصور فداحة العبء الذي ألقي على عاتق ملتن وان المرض ليخترم جسمه يومئذ وإن العمى ليتهدد ناظريه.
وصل كتاب سلامسيس إنجلترا في أواخر سنة ١٦٤٩، وسرعان ما اصدر مجلس الدولة قرارا يحرم تداوله، وفي يناير سنة ١٦٥٠ انتدب ملتن ليكتب ردا على هذا الكتاب فما أهل شهر مارس حتى نشر ملتن، وهو لا يقوى على فتح عينيه كتابا عنوانه (دفاع عن الشعب الإنجليزي)، وقد ازدادت بهذا الكتاب شهرة ملتن في أوربا جميعا وعظم قدره في الأوساط الأدبية كلها، وكانت دهشة الناس من شجاعته أكثر من إعجابهم بوطنيته فانه لم يحجم عن منازلة ذلك المارد الأوربي سلامسيس، وان يجعل عدته اللاتينية، وقد حسب خصمه إن لن يقدر عليه أحد، فإذا به حيال قوة لا ريب فيها، وفصاحة لا يستطيع أن ينكرها إلا الجاحدون.
احتشد ملتن لكتابه وبذل قصارى جهده على الرغم من إلحاح العلة عليه وطغيان الغشاوة على ناظريه، ليظهر لأوربا انه أعلى من سلامسيس في اللاتينية كعبا وأطول منه باعا؛ ولقد بلغ في كثير من مواضع الكتاب غاية ما تمنى، ولكنه كان في مواضع أخرى كالمغنى الذي يكلف نفسه ما لا تطيق ليأتي بخير ما عنده، فما يعود من ذلك الجهد إلا بانقطاع نفسه واحتباس صوته؛ ولقد وجد ملتن في الرد على سلامسيس العظيم فرصة يلفت فيها أوربا إلى مقدرته ويقنعها بضلاعته وتمكنه واتساع أفق ثقافته، لذلك أسرف في التحمس وبالغ في