للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

سوق العبارات الضخمة وتأنق وتعمق وتعالى وحلق، وكان في بعض المواطن إلى الخطيب الذي نسى نفسه اقرب منه إلى الكاتب الذي حذق فنه.

على أن ما بذل من طاقة في هذا السبيل قد سبب له كثيرا من الضعف في نواحي القياس والبرهان والاستيعاب والشمول والإحاطة بموضوع الدفاع وحسن ترتيبه وتسلسل سياقه؛ هذا إلى أن اهتمامه بأطهار عيوب سلامسيس وتصيد أخطائه وتعقب متناقضاته والسخرية منه قد صرفه كثيراً عن غايته، ثم إن توجيه المطاعن الشخصية إلى خصمه وإسرافه في ذلك إلى مدى من الفحش بعيد البس كتابه كثيرا من السخف والحق به غير قليل من الفسولة.

ولم يعف ملتن شارل الأول في هذا الكتاب كذلك من التحقير والإهانة وهو في لحده، فشبهه بنيرون طاغية روما، ونسب إليه كثيرا من الفجور والفسوق واتهمه بتهمة نكراء هي دسه السم لأبيه، إلى غير ذلك مما يبعد كل البعد عن اللياقة. . .

وأنكر ملتن ما ادعاه الملوك لأنفسهم من حق الهي، فليس يستند هذا الزعم إلى أساس معقول، ولا هو مما يتفق مع ما يتصف به الله من عدالة وحكمة، فالله عدو الظلم ونصير الحرية، وهو يحب الأحرار من عباده ويرفع منزلتهم؛ وقد جاء المسيح لنصرة الحرية، وإلا فهل يرضى الله أن تقوم الحكومات لتكون كل منها أداة للطغيان، وكيف يقبل أن يفرض على الناس طاعة هذه الحكومات ويقر خضوعهم للظلم والبطش؟ وما فعل الشعب الإنجليزي أكثر من ثورته على الطغيان وتقريره مبادئ الحرية ليعيش الناس في كنف هذه المبادئ آمنين مطمئنين لا يأتيهم الخوف من أي مكان. .

ويمجد ملتن حكومة كرمول وما فعلت في سبيل الحرية وما ظفرت به من نصر لن يظفر بمثله إلا الأنجاد الميامين أولو العزم والبطولة، ولكنه يصارحها انه لا يزال أمامها ما يقتضيها جهودا وبطولة ليست اقل مما بذلت، فعليها أن تقضي على ما يتهدد كيان البلاد من المساوئ الداخلية كالجشع والطمع وأنانية ذوي الثراء وبغيهم، حتى يتمتع بالسلام والأمن في كنف الحرية؛ وتنطوي عباراته هذه على شئ من الوعيد يتهدد به خصوم الحكومة من طرف خفي، فقد كان ملتن ضيق العطن بهؤلاء الخصوم شديدا عليهم يتمنى لو ابتلعتهم الأرض وسعيهم وما يمكرون!

<<  <  ج:
ص:  >  >>