وسخر ملتن من شارل الثاني وسماه شارل الصغير وبالغ في تحقير دعوته سلامسيس للدفاع عن أبيه ونعت من التفوا حوله بأنهم حفنة من الصعاليك يتصايحون ولاهم لهم إلا التصايح والعواء.
إما ما قذف به سلامسيس من مطاعن، فقد تجاوز في ذلك كل حد، فلم يتورع عن شئ مما يمس العرض والشرف، ونال بسهامه زوجته وسخر منها كما سخر من زوجها ووصفه بأنه مطية لهذه الزوجة التي تملك زمامه فلا يملك لنفسه بين يديها ضرا ولا نفعا؛ هذا إلى ما رماه به من الجهل والغباء والغرور والادعاء والحمق والعبودية وما أليها من ألفاظ السباب ومرادفاتها مما نعجب كيف تسنى أن يصدر مثله من رجل كملتن فضلا عن أن يعد هذا دفاعا عن قضيته، ولكنها فيما يبدو طريقة ذلك العصر وأسلوبه في الجدل والخصام. . .
وبلغ الغضب كل مبلغ بسلامسيس، ونال من نفسه فرح حاسديه لما أصابه أكثر مما نالت مطاعن ملتن، فقد اشمت ملتن به الأعداء وأضحكهم منه، وكان يبالغ هؤلاء الحاسدون في إعناته فيثنون على ملتن ويعجبون بعبقريته وضلاعته في اللاتينية وآدابها، وانبرى فريق من محبيه يسفهون هؤلاء ويوجهون المطاعن إلى ملتن؛ وبرز لهؤلاء أنصار ملتن فكالوهم صاعا بصاع، وهكذا تشعبت المعركة إلى معارك حتى كاد ينسى الدفاع عن شارل والدفاع عن الشعب الإنجليزي.
ونفّس سلامسيس عن نفسه بكتاب ثان بلغ ثلاثمائة صفحة ولكنه مات سنة ١٦٥٤، ولم ينشر كتابه إلا سنة ١٦٦٠ بعد عودة الملكية إلى إنجلترا، وقد نسى الناس هذا الموضوع، ومن شاء إن يقف على مبلغ حنق سلامسيس على خصمه، فليقرأ ما جاء في هذا الكتاب من مطاعن، فقد كال لملتن بنفس كيله فهو عنده الأحمق المفتون الذي يظن في نفسه الملاحة، وما هو إلا وحش قذر، وان خير ما يجب أن يصنع به هو أن يشنق على أعلى مشنقة ثم يوضع رأسه فوق برج لندن، وأباح سلامسيس لنفسه أن يعير ملتن بما أصابه من عمى كأنما هو أمر يدخل في مسئوليته، ومما قاله في هذا الصدد نعته ملتن بأنه الرجل الذي لم تكن له بصيرة، حتى فقد بصره كذلك، وان من اقبح الأمور وأرذلها أن يعيب المرء على خصمه عاهة لحقته ولا يد له فيها وليس وراء ذلك سخف فيما نعتقد، وما نظن إلا أن سلامسيس قد مسه الخبل من فرط ما ملأه من غيظ فطوعت له نفسه أن يقول هذا