بين اللهو والعبث والآراء غير الممحصة، وأخْذ الدنيا على أهون وجهيها وأيسرهما، وعلى أن الصدق فيما قاله أسخف قائل:(اضحك يضحك لك العام)!!
ليس معنى الصراع بين الجديد والقديم: هو أن ينازل أصغر الخصمين وأقلهما تجربة، أكبرهما وأوفاهما تجربة، وهو يضمر له في نفسه الإزْراءَ به والتحقير له والاستهانة به وبسابقته في الحياة، كلا، بل هو يحرص أشد الحرص على فهم خصمه، وعلى معرفة حيله، وعلى درس قوته ومواطن الضعف فيها، وعلى أساليب معالجة للأشياء التي حازها بالنصر والغلبة على من سبقه. وذلك يقتضيه أن يجعل صدر أيامه وريِّق شبابه وقفاً على الدرس والتحصيل ورياضة النفس، وتربية القُوَى، وتعهُّد نفسه في مراشدها وتجنيبها مغاويها، فإذا فعل كان أهلا لمن ينازله، وكان خليقاً أن يكتب له النصر عليه، ولكن شاء الله أن يسلك جبارنا الشاب أضلَّ الطريقين.
فماذا كانت العقبى؟ بقينا إلى زمن نرى فيه الشيوخ الذين أكلَ الدهر جِدَّتهم، وأبلى هممهم، وأفنى حوافزهم، وقطع دابر الحماسة من نفوسهم، هم الذين يتولون تصريف الأمر في غدِنا تصريفَ العاجز، ويدبرون سياستنا للمستقبل تدبير الذاهل، ويسيرون بهذا الشرق كله إلى رَدَغةٍ موحلة يرتطم في أوحالها الشيب والشبان جميعاً. وإلا فأين الشباب المبشر بالخير المهدى إلى طريق الرشاد، ليكون لشيوخنا إذا عجزوا عضداً، وإذا قصِّروا باعاً، وإذا سقطوا خلفاً؟
إني لأفتح عيني حين أفتحها ... على كثير، ولكن لا أرى أحدَا
ومعاذ الله أن أكون ممن يُخْلي هذه الأمم من رجال شبان يدخل في أطواقهم أن يغيروا وجه هذا الغد الذي نستقبله، ومعاذ الله أن يلمّ بي اليأس ويتداخلني القنوط، فإني لأرى فيهم رجالا لوهم صرفوا عاماً أو عاملين في التأهب لصراع الغد، أي لصراع الحياة، أي لإنقاذ بلادنا من خوَرالشيخوخة، وجبن الهرم، وعجز السنِّ، وضعف الكِبرَ الطاحن، ومن غرور هذه جميعاً بسالف تجربتها واحتناكها، لأدركنا البغية التي يظن شيوخنا أنها محال، وأنها طَفْرة، وأنها جرأة وتقحم، وارتماء في مهاوي الهلاك.
أو ليس من أكبر العار في هذا الزمن أن يكون الشرق الذي بلغ بفتيانه قديماً ما بلغ، هو اليوم مبتلى بفتيانه أشد البلاء؟ أليس من الخزي أن يعرف أحدنا كيف تعاون شبابنا قديماً