فيزعم أني المأفون ولست بالمأمون!. . . ثم هو الساعة يقرضني تقريضه المسيح ومحمداً عليهما السلام!
صلاح الدين الأيوبي:
يُعد صلاح الدين النموذج الكامل للحليم يجني عليه حلمه، ويورده وقومه موارد الضر والأذى. فهو قد نهض بهذا السلاح النبيل في وجوه قوم لم يتخذوا سوى الغدر والخيانة عدة لهم وسلاحاً، وكانوا بما دس في عقولهم رهبان القرون الوسطى لا يرون في الحملات الصليبية إلا وسيلة لإبادة المسلمين بالمشرق والاستيلاء على تراثهم المادي فيه.
وهكذا كانت خرافة بيت المقدس وتطهيره من الكفار) تخديراً - ليس أكثر - لأعصاب الملايين من طغاة أوربا، واستثارة للعصبية الدينية المقيتة في نفوسهم، ولم يكن ليسع البابا أوربان الثاني وهو يرسل صيحاته المفتعلة - في كليرمونت في فرنسا عام ١٠٩٥ - إلا أن يقرنها بذكر الباعث الحقيقي على شنّ هذه الحروب فيقول: إنها ليست لاكتساب مدينة واحدة؛ بل لامتلاك أقاليم آسيا بجملتها مع غناها وخزائنها التي لا تحصى. فاتخذوا البيت المقدس حجّة، وخلّصوا الأراضي المقدسة من أيدي المختلسين لها، وامتلكوها أنتم خالصة لكم من دون أولئك الكفار، فهذه الأرض كما قالت التوراة:(تفيض لبناً وعسلاً).
وكان سواد الجيوش الصليبية يتألف من رعاع أوربا الذين طمست الجهالة بصائرهم، فساقهم رجال الدين سوق السائمات لتحقيق مآربهم السياسية وأطماعهم المادية. يصفهم المستشرق الإنجليزي سير وليم موير بأنهم (الطبقة الدنيا. . . خرجوا في جموع غفيرة متبعين بطرس الناسك وغيره من القواد، مدفوعين بالتعصب الشديد؛ ولكن لم يلبثوا أن ظهروا عبيداً للشهوات والميول الدنيئة).
ويقول عنهم في موضع آخر:(أما البارونات والفرسان مهما كانت طبقتهم، فلم يكن همّهم غير التنازع على السيادة. والواقع أنه قضى عليهم الشره والغيرة والخصام والمبالغة في الترف وهؤلاء الرجال الدنسون هم حماة الأرض المقدسة!).
ويصف من شرهم يوم فتحوا بيت المقدس أنهم سفكوا دماء سبعين ألف مسلم لم يراعوا فيهم حرمة لشيخ أو امرأة أو طفل. ثم يقول: (وبعد أن أشبع جنود الصليب شهواتهم الوحشية أوفوا بنذورهم وقبلوا الحجر الذي كان يغطي المسيح الذي قال: إن مملكتي ليست