هؤلاء هم الأعداء الذين قدّر لصلاح الدين أن يلقاهم في ميدان الجهاد. . . فكيف لقيهم؟
لسنا نعدو هنا الإشارة إلى بعض مواقفه حيالهم، غب كل انتصار كان يتم له عليهم، ففي ذلك وحده ما يكفي في الدلالة على ما نريد.
أسر السلطان صلاح الدين في موقعة حطين: جاي دي لوزينان (جوي) ملك بيت المقدس، وبليان صاحب الرملة، ورينولد أمير الكرك والشوبك. فلم يهدر إلا دم الأخير منهم وفاءً ليمين كان أقسمها أن يضرب عنقه بيده جزاء ما تطاول به على مقام النبوة، ولسوء غدره، وكثرة تعرضه لقوافل المسلمين المجتازة على الكرك.
أما بليان صاحب الرملة فقد استأذن من صلاح الدين - كما يستأذن الحر الشريف! أن يتركه يمضي إلى القدس فيحمل زوجه وأولاده قبل أن تدهمها جحافل السلطان وأقسم ألا يتجاوز مكثه بها الليلة الواحدة. فلما بلغها التف حوله القوم ضارعين، واستماله البطريق إلى أن يقيم معهم ليضطلع بقيادة الحملة الصليبية وأباحه كنوز الكنيسة يتناول منها ما يشاء. فجنح الأمير إلى الغدر، ونسى يمينه ووعده فما ذكَّره بهما إلا صلاح الدين وهو يدق عليه أبواب بيت المقدس، ثم يفتحه على القوم صلحاً؛ ومن العجيب أنه خرج مع سائر من خرجوا - وفق شروط الصلح - معافى موفورا. . .
وأما جاي دي لوزينيان بيت المقدس فقد احتمله السلطان معه في تنقلاته فترة ما، فلما كان في (أنطرطوس) أطلق سراحه بعد أن أخذ عليه العهود والمواثيق أن يغادر الشام إلى أوربا نافضاً يده من القتال. فحنث هذا الملك بعهده؛ ومضى إلى صور حيث أبى عليه كونراد صاحب حاميتها أن يتولى معه زمام أمر. فأتجه إلى طرابلس وحشد بها الحشود، ثم ذهب إلى عكا - وكانت في يد المسلمين - فضرب حولها الحصار عامين، يعاونه فيليب ورتشارد ملكا فرنسا وإنجلترا، وقد قتل في هذا الحصار ستون ألفاً من المسلمين، ثم جرت يوم فتحها مذبحة رهيبة ذهب فيها ألفان وسبعمائة مسلم. ويقول المؤرخون إن ملكي الإنجليز والفرنسي مرضا في أثناء هذا الحصار فأرسل إليهما صلاح الدين ألطافاً من ثلج وشراب بارد وفاكهة وغيرها.
لقد كان صلاح الدين في الحقيقة أسداً باسل الهمة كريم النحيزة، يلقى ذئاباً ضاريات حشو