ومن عجب الأمور حقاً أن يهتم ملتن اهتماماً كبيراً بالعيب على مورس كأنما كان له نداً يحرص أن يظهر عليه، وأن يأتي في مهاجمته بأمور حسبه فيها من إساءة إلى نفسه أن يكون هو قائلها؛ فهو يتجسس على علاقاته بالنساء ويستعرضها متهكماً ساخراً وينعت مورس أثناء ذلك بما يشاء خياله من نعوت ويعنف عليه ويغلظ غلظاً كبيراً حتى ليكون للمرء عذره إذا ظن أن ملتن إنما يباهي بمقدرته على الطعن والكيد. . .
ولكن (الدفاع الثاني) على الرغم من هذا كله يعرض أحسن ما كتب ملتن كما ذكرنا، ومرد ذلك إلى صفات فيه بيناها، ونزيد عليها صفة أخرى جديرة بالإعجاب حقاً وخليقة أن تجعل للكتاب ذلك الأثر الحسن في نفوس قرائه وتلك هي هواجسه وقلقه على الحرية؛ فقد أحيطت حماسته لكرمول بما ألقى عليها الفتور من التحذير والنصح والإبانة عما توسوس به نفسه من مخاوف.
وكان كرمول قد استغنى عن البرلمان وأصبح يلقب بحامي الجمهورية، وإنه في الحق لملك مستبد بالأمر لا ينقصه إلا التاج، وأحس ملتن أن الحكومة القائمة حكومة أقلية متحكمة تعتمد على الجيش، ولا سند لها من الشعب إلا أقلية تدين لها طوعاً أو كرهاً، وعلى ذلك فلا بد أن يكون لها من المبادئ ما تستغني به عن الكثرة المؤيدة فحياتها في استمساكها بما يميزها من غيرها قدراً فضلاً.
ولم يك ملتن راضياً عن مسلك كرمول في المسألة الدينية كما ذكرنا، وكذلك لم يعجبه تنكر كرمول لبعض الرجال ممن قام على كواهلهم عهده، وأزعجه تشدد كرمول والتجاؤه إلى العنف وعد ذلك نذيراً بخنق الحرية بأيدي أوليائها؛ وغمزت على قلبه المخاوف أن يمنى بخيبة جديدة كتلك التي مني بها من القساوسة أولاً ثم من البرسبتيرينز؛ فها هو ذا رأس الدولة يميل إلى القائلين بإشراف الدولة على الكنيسة أعنى بإقامة كنيسة للدولة، وهكذا يجد ما كان يحلم به من حرية العبادة وحرية النشر وحرية الطلاق تتهادى جميعاً صرعى في عالم ما أبعد أهله عن الفطنة والمدنية في رأيه وما أبعده في جملته عما وصف به من السمو، وما علق عليه من آمال. . .
وتتجلى لباقة ملتن فيما اصطنعه لبيان معايب كرمول فهو يسوق كلامه ساق النصح فينهاه عن أمور ويطلب إليه فعل غيرها فيتضمن نهيه وطلبه أن كرمول فعل ما لا يصلح فعله