يقول ملتن إن الدولة مكين الدعائم إذ أنه يسيطر عليها رجل عظيم ويعينه مجلس يتكون من عظماء أماثل، وهي بذلك خير مما تكون عليه لو وجد البرلمان وفساده وسخافاته؛ ولكن لابد من الحرية، ولابد أن تكون الحرية آمنة مطمئنة لا يأتيها خوف ولا يمسها عنف. فإنها إن مسها العنف من الرجل الذي تكفل بحمايتها كان ذلك بمثابة ذبح الفضيلة؛ ويتجه بالخطاب إلى كرمول طالباً إليه أن يمسك عليه ذوي الرأي والمشورة من رجاله ويذكر له بعض الأسماء؛ ثم يسأله ملحاً أن يدع الكنيسة للكنيسة ويعظه ألا يزيد القوانين وقد رأى عدداً كبيراً منها يشرع حديثاً وألا يحظر شيئاً لا يصح أن يحظر، وأن يعنى بالتعليم ونشر الثقافة وأن يكافئ المجتهدين في هذا السبيل، وينصح له أن يطلق حرية الفلسفة، وأن يدع كل ذي رأي ينشر رأيه بغير رقابة فلا يأتي العلم على أيدي الجهلاء؛ ثم يدعوه أن ينصت إلى كل شيء وألا يخاف من استماع أي رأي خطأ كان أو صواباً إلا رأي من يدعو إلى الوقوف في وجه الحرية. . .
وفي ذلك الذي يقوله ملتن أبلغ رد على الذين اتهموه بممالأة كرمول بالحق وبالباطل؛ ونعجب أن يكون رجل مثل الدكتور جونسون ممن اتهموه بهذا. قال جونسون في كتابه عن ملتن:(وكان كرمول قد طرد البرلمان معتمداً على السلطان الذي قضى به على الملكية، وأخذ يتملك بنفسه تحت اسم حامي الجمهورية، ولكن كانت له قوة ملكية بل وأكثر من قوة ملكية؛ أما أن سلطانه كان مشروعاً فذلك ما لم يقل مدع به، ولقد أقام هو نفسه أساس حقه على الضرورة، ولكن ملتن وقد ذاق حلاوة استخدامه هكذا في صورة عامة لم يكن يرضى أن يعود إلى الجوع والفلسفة فخان الحرية التي دافع عنها وأسلمها إلى قوته، بينما كان يؤدي وظيفته في عهد اغتصاب واضح، وليس في الآراء أحق وأعدل من الرأي القائل بأن الثورات لابد أن تنتهي إلى العبودية، وأن الذي برر قتل مليكه بسبب أفعال عدها غير قانونية يُرى الآن وهو يبيع خدماته وضروب ملق لطاغية، لا يمكن كما هو واضح أن يجد عنده عملاً قانونياً).
وما خان ملتن الحرية ولا أسلمها إلى قوته وسلطانه، وإنما خاف على الحرية منذ أن لاحت له إمارات تخيفه عليها من شخص أفرط في حبه، وليس يدل ذلك إلا على أنه يجعل