الحرية فوق كل شيء وأنه في سبيلها يضحي بكل شيء، والحق أننا لا نجد فيما سلف من مواقفه في جانب الحرية موقفاً أكثر من موقفه هذا دلالة على صدق حبه للحرية وصدق إخلاصه في كل ما ينهض له من دفاع عنها، وما نجد كلام جونسون إلا مثلاً لما تكون عليه الكتابة عن غرض أو عن جهل.
ويختم ملتن كتابه فيعود إلى الإنذار والتحذير قائلاً إنه فعل ما يجب عليه فعله وعلى مواطنيه أن يتدبروا في أمرهم، وإلا ساءت العاقبة، ومهما يكن من شيء بعد ذلك فمرده إليهم فعليهم تبعة كل خير أو شر. يقول في ذلك (لقد أديت شهادتي، وأكاد أقول إني قد بنيت تمثالاً لا يسهل هدمه يقوم شاهداً على تلك الأعمال الفريدة التي تسمو على كل مدح؛ وكان مثلي مثل شاعر الملاحم الذي يحرص على قواعد هذا الضرب من النظم، فلا يعنى بأن يصف حياة بطله الذي يمجد كلها، وإنما يقتصر على بعض أفعال خاصة من حياته كآخيل إذ كظم ما في نفسه تلقاء طروادة وكعودة أوليس وكمجيء إينياس إلى إيطاليا؛ وكذلك فعلت فحسبي مبرراً لموقفي أو عذراً عنه أني مجدت كما تمجد البطولة على الأقل فتحاً من فتوح بني قومي ومررت بغيره مراً، إذ من ذا يستطيع أن يسرد أعمال أمة بأسرها؟ فإذا تنكبتم طريق الفضيلة بعد هذا الذي أظهرتموه من البساطة والحمية وفعلتم ما لا يخلق بكم وما هو دون قدركم. فإن أعقابكم سوف يحكمون على أخلاقكم؛ ولسوف يرون أن الأسس أحكم وضعها وأن البداية كانت مجيدة، ولكن يحزنهم أن لم يوجد من يرفع القواعد ويتم البناء).
هذا هو ملخص (الدفاع الثاني) أو رد ملتن على مورس، ولقد بذل هذا المسكين أقصى ما في وسعه قبل أن ينشر ملتن كتابه ليقنعه بأنه ليس صاحب الكتاب الذي يريد أن يرد عليه فلم يعد من ذلك بطائل إذ أصر ملتن على أنه هو، وتلك خلة من خلال الشاعر العظيم فما تتجه نفسه إلى أمر أو تتعلق بفكرة إلا اشتد تمسكه بها فصعب زحزحته عنها أو استحال ذلك، ومن السهل أن نرد هذه الخلة إلى شدة اعتداده بنفسه أولاً ثم إلى ثقته ويقينه من أنه لا يفعل شيئاً عن هوى ولا يريد إلا الحق. . .
ولما نشر كتابه هالت مورس تلك العاصفة التي أرسلها عليه، وعاد ينفي عن نفسه أنه كتب شيئاً، ولقد كان يستطيع أن يفشي السر فيدل على الخصم الحقيقي لملتن ولكنه آثر أن