به الألمان ولا يثبتونه. وبذلك تألفت منها كلمة (اسبيجل ومعناها: ألعبان أو هازل ثم خرجوا منها كلمة ومعناها الألعبانية أو المجون. ثم أوحى لهم هذا التخريج الجائر ومشتقاته أن ينحلوه قصصاً يدور محورها على الهزل والمجون. فكان لهم ما أرادوا. ورحم الله المتنبي القائل: (ومثلك من تخيل، ثم خالا).
وقد ذكرتم تلكم المغالطة اللفظية - أو الحرفية إن توخينا الدقة - بمغالطة أخرى منطقية ابتدعها ابن الرومي الشاعر البارع منذ أكثر من أحد عشر قرناً تخلص منها إلى نتيجة عجيبة، لا تقل في غرابتها عما وصل إليه ذلكم الساخر الفرنسي الذي جوز لفظ المرآة - وهي ترمز إلى الطيبة أو الغفلة - إلى لفظ (الألعبان) وفيه من الخبث ما فيه.
اتخذ ابن الرومي من قول الإمام العراقي أبي حنيفة بجواز شرب النبيذ وتحريم شرب الخمر، ومن رأى الإمام الحجازي الشافعي: أن النبيذ كالخمر، نتيجة لم تخطر على بال الإمامين. كما تعلمون وكما يعلم ابن الرومي المغالط الأكبر أن يقول:
(إن النبيذ كالخمر فهو مثلها حرام)، وعكس ابن الرومي قصد الإمام فقال: مادام النبيذ حلالا في رأي أبي حنيفة، والخمر كالنبيذ في رأي الشافعي، فالخمر حلال كالنبيذ في رأي القياس المنطقي.
وهكذا استطاع الخبيث بما وهبه الله من أدوات الخبث وفنون المغالطة أن يتخذ من المنطق سلماً إلى الفرار من الحقيقة التي لم يخلق المنطق إلا لدعمها وبنائها، فقال: غفر الله له:
أجاز العراقي النبيذ وشربه ... وقال (الحرامان المدامة والسكر)
وقال الحجازي:(الشرابان واحد) ... فحلت لنا من بين قوليهما الخمر
سآخذ من قوليهما طرفيهما ... وأشربها، لا فارق الوازر الوزر
الحظ السعيد
ومن بديع سخرية (تل) وتهكمه، ما تمثله لنا قصته مع أحد السادة وكان يصحبه إلى الغابة ليصطادا؛ فلقيا في سيرهما أرنبا صغيراً يجري مسرعاً، وكان صاحبه كشاعرنا ابن الرومي، من المتطيرون. فلم يطق مواصلة سيره خشية أن يصيبه مكروه في ذلك اليوم، وحاول (تل) أن يقنعه بسخف ما يذهب إليه المتطيرين، فلم يفلح. فلما جاء اليوم التالي رأيا في طريقهما إلى الغابة ذئباً فقال له (تل): الآن وجب علينا أن نرجع، حتى لا يصيبنا