فهذه الملكات الجسدية - فضلاً عن الملكات العقلية والروحية - قابلة للنمو والمضاعفة إلى الحد الذي لا يخطر لنا على بال ولا نصدقه إلا إذا شهدناه
وقد رأينا ورأى معنا ألوف من أبناء هذا البلد رجلاً أكتع يستخدم أصابع قدمه في أشياء يعجز الكثيرون عن صنعها بأصابع اليدين: يكتب بها ويشعل عيدان الثقاب ويصنع بها القهوة ويصبها في الأقداح ويشربها ويديرها على الحاضرين، ويسلك الخيط في سم الإبرة ويخيط الثوب الممزق، ويوشك أن يصنع بالقدم كل ما يصنع باليمين أو باليسار.
ورأينا ورأى معنا ألوف من هذا البلد لاعبي البليارد في المسابقات العامة يتسلمون العصا ثم لا يتركونها إلا بعد مائة وخمسين إصابة أو تزيد، ولعلهم لا يتركونها إلا من تعب أو مجاملة للاعبين الآخرين، وهم يوجهون بها الأكر إلى حيث يريدون، ويرسلونها بين خطوط مرسومة لا تدخل الأكر في بعضها، ولا تحسب اللعبة إذا لم تدخل في بعضها الآخر. بحيث لو قال لك قائل إن هؤلاء اللاعبين يجرون الأكر بسلك خفي لجاز لك أن تصدق ما يقول.
ورأينا من يقذف بالحربة على مسافات فتقع حيث شاء، ورأينا من ينظر في آثار الأقدام فيخرج منها أثراً واحداً بين عشرات ولو تعدد وضعه بين المئات، ورأينا من يرمي بالأنشوطة في الحبل الطويل فيطوق بها عنق الإنسان أو الحيوان على مسافة أمتار.
هذه هي الملكات الجسدية المحدودة، وهذه هي آماد الكمال الذي تبلغ إليه بالتخصص والمرانة والتوزيع.
فما القول إذا حكمنا على الناس جميعاً أن يكسبوا أعضاءهم ملكة من هذه الملكات؟
إننا نخطئ بهذا أيما خطأ ونعطلهم به عن العمل المفيد.
ولكننا نخطئ كذلك كل الخطأ إذا عاقبنا إنساناً لأنه أتقن ملكة من هذه الملكات الجسدية، ولو جار في نفسه على ملكات أخرى يتقنها الآخرون.
فإذا كنا جاوزنا بالقوى الجسدية حدودها المعهودة بالمرانة والتخصيص فما الظن بالقوى الروحية أو العقلية وهي لا تتقارب في الناس ولا تعرف الحدود.
وإذا كان طالب القوة الروحية يجوز على جسده فلماذا نلومه وننحى عليه ونحن لا نعاقب اللاعب إذا جار على روحه أو عقله في سبيل إتقان لعبة أو تدريب عضو أو تزجية فراغ؟