على صورة الحيات. فدخلنا إلى مصلى في جداره القبلي إلى جهة الشرق نافذتان بينهما عمود من الرخام نحت نحتاً عجيباً، وصورت عليه حبال متداخلة مجدولة كأنها حيات التف بعضها على بعض
وأبى كرم السيد الذي شرفنا بصحبته إلا أن يرينا بعض الدور الأثرية في حماة. فقلنا: قد رأينا دار العظم في مهرجان أبي العلاء. فسار بنا إلى حي قديم فيه دار كبيرة جليلة مشرفة على العاصي، هي دار الكيلاني، فأستأذن لنا من أهلها فدخنا فرأينا من نظام بيوتنا العتيقة وجمالها وجلالها ما راقنا وسرنا.
وأمر مضيفنا السائق أن يتوجه تلقاء داره. فسرنا إلى دار نزهة خارج المدينة على منحنى العاصي مشرفة على النهر يزينها وتزينه، وجلنا في الحديقة إلى النواعير الخمس التي ترفع الماء إلى البساتين المجاورة، فكان مشهداً عجيباً جميلاً. وكان لأصوات النواعير وخرير المياه بين الأشجار ومجرى النهر وأشعة الأصيل الشاحبة على النواعير العالية جمال ورهبة وسحر.
ثم جلسنا في حديقة الدار مطلين على النهر في حفاوة صاحب الدار وكرمه.
فلما أستأذنا أبي إلا يعود بنا إلى الفندق، ولم يستجب رجاءنا إذ أشرنا عليه بالاستراحة في داره، وكان يشكو ألماً يقطع عليه حديثه بين الحين والحين. ورجع بنا إلى الفندق وجلس معنا في المقهى حيناً، وقام ليذهب إلى الطبيب معتذراً إلينا. وقد ألح علينا أن نبقى إلى الغد، فعرفناه أنا أزمعنا السفر ليلاً إلى حلب
فهذه حفاوة سيد من سادات حماة بمصريين قابلاه على الطريق دون معرفة سابقة. بارك الله فيه وفي طفله بشار الذي آنسنا بصحبته وراقنا بمخايله وبما قص والده من أحاديث ذكائه.
وليس هذا إلا مثلاً كريماً مما يلقاه المصري في الشام حيث توجه!
وأزمعنا السفر إلى حلب بالقطار، وعلمنا أنه يبرح محطة حماة والساعة ثلاث ونصف بعد نصف الليل، فلم يثن هذا عزمنا وتركنا الفندق والساعة اثنتان ونصف.
وبينا نحن في انتظار القطار تقدم نحونا شرطي عرفنا بوجوهنا أو لهجتنا، فتحدث إلينا وتلطف. وساق الحديث إلى ثورة سورية وبلاء أهل حماة، وأفاض الرجل في الحديث، ثم تكلم عن الجامعة العربية، وعن عبد الرحمن عزام فأثنى عليه. ثم نظر إليّ وقال: أرى فيك