ويصف السير وليم موير في كتابه (تاريخ دولة المماليك) سقوط آخر معقل إلا معقل الصليبيين بالمشرق والحقد يأكل قلبه فهو لا يترك نقيصة إلا ألصقها بالمسلمين وملكهم فيقول: (حتى الفرسان الذين وعدوا بأن يفسح لهم طريق النجاة أمر السلطان بقطع رقابهم جميعاً بدون رحمة، وأن ما لاقاه أهل بيروت من إهدار دمائهم وقتلهم صبراً لا يقل فظاعة عم وقع في عكا). يسوق كل هذا ولا يبين لنا أسباب هذا الغدر من الجانبين.
ولقد احتفلت العاصمتان مصر ودمشق بهذا الفتح الأشرفي العظيم، ولما دخل الأشرف مدينة دمشق زينت له الشوارع وأقيمت القباب وأقواس النصر، ودخل وبين يديه الأسرى من الإفرنج تحت الخيول وفي أرجلهم القيود وأعلامهم منكسة، ولما دخل مصر وشق المدينة من باب النصر إلى باب زويلة، وأقيمت له الاحتفالات الشائقة.
ولما كثرت الأقاويل والروايات عن هذا الفتح، وصرح كثيرون أنهم تنبأوا به قبل وقوعه، وقال بيبرس المنصوري: (ولما أتاح الله هذا الفتح وسهله وأباحه وعجله قرظه الشعراء، وذكره الفضلاء).
وقد اطلعت في كتاب أبن الفرات على الكثير من القصائد التي قيلت أعجبني منها بعض الأبيات أنقلها لقراء (الرسالة).
فمن قصيدة الشيخ بدر الدين محمد بن أحمد بن عمر المنجي التاجر المقيم بالقاهرة:
بلغت في الملك أقصى غاية الأمل ... وفُت شأو ملوك الأعصر الأول
ونلت بالحول دون الناس منفرداً ... ما لم تنله ملوك الأرض بالحيل
وهي طويلة فيها العربية السهلة وبعض الألفاظ العامية ومن الغريب أن تأتي بعد خمسة قرون من ينحو نحوها ويقول:
ماذا أقول وكيف القول في ملك ... قد فاق كل ملوك الأعصر الأول
وقال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر أظنه صاحب سيرة الملك الظاهر:
يا بني الأصفر قد حل بكم ... نقمة الله التي لا تنفصل
قد نزل الأشرف في ساحلكم ... فابشروا منه بصفع متصل
وكتب القاضي شهاب الدين أبو الثناء محمود الحلبي كاتب الإنشاء قصيدة أطول من كل هذا نحا فيها نحو صاحب قصيدة (السيف أصدق أنباء من الكتب)، وقلّد عباراته وتشبيهاته