للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

البكم، بل ستتبعه أسبابه، وبيان الأسباب يتيح للآخرين أن يقتنعوا بها أن وجدوا لها في نفوسهم صدى، أو لا يقتنعوا، ولهم ما يشاءون!

لهذا كله نرى انه لابد للنقد الأدبي أن يتناول طبيعة الشعور الذي يصوره التعبير، فيصفه - على الأقل - كما يبدو من خلال الصورة التعبيرية، ويحكم على قيمته في عالم التجارب الشعورية.

ونضرب هنا بعض الأمثال:

يقول شاعر حديث في قصر أنس الوجود:

قف بتلك القصور في اليم غرقى ... ممسكا بعضها من الذعر بعضا

كعذارى أخفين في الماء بضا ... سابحات به وأيدين بضا

وكل بيت بمفردة جميل من ناحية التعبير والإيقاع والأداء، ولكنهما مجتمعين يكشفان عن اضطراب في الشعور، أو عن تزوير في هذا الشعور، ذلك أنا حين نستعرض البيت الأول:

قف بتلك القصور في اليم غرقى ... ممسكا بعضها من الذعر بعضا

نجد أنفسنا أمام مشهد غرق، والغرقى مذعورون يمسك بعضهم من الذعر بعضا، فالشاعر أذن يرسم لنا مشهداً مثيراً لانفعال الحزن والأسى، مشهداً يظلله شبح الفناء المتوقع بين لحظة واخرى، ونفهم أن هذا هو الانفعال الذي خالج نفسه وهو يتملى ذلك المشهد الذي يثير الذعر ويقبض الصدر.

ولكنة ينتقل بنا فجأة ونحن أمام لمشهد نفسه لم نزايله، فيقول:

كعذارى أخفين في الماء بضا ... سابحات به وأيدين بضا

فأي شعور بالانطلاق والخفة والمرح يوحيه مشهد العذارى، ينزلن الماء سابحات، يخفين في الماء بضا ويبدين بضا؟!

هنا ظل لا يتسق مع الظل الأول، ولا تفسير لوجوده هنا إلا بأن الشاعر زور لنا تجربة شعورية لم تمر بنفسه، لأنه لو كان قد انفعل حقيقة بالمنظر لغمره شعور نفسي واحد إزاءه في اللحظة الواحدة، أو غمرته مشاعر مختلفة، ولكن في جو واحد.

فحكمنا هنا ينصب على شعور الشاعر لا على تعبيره، ولكننا انما نحكم على هذا الشعور

<<  <  ج:
ص:  >  >>