المتقدم ذكرها فكانت الحكومة تقتص من الهراطقة، وتوجب على الشعب إطاعة الكنيسة، وقد جعل الكهنة مقابل ذلك إطاعة الملك فرضاً دينياً لا يجوز إغفاله.
وقام فريقان من الفلاسفة المصلحين في فرنسا: الأول في النصف الأول من القرن الثامن عشر وقوامه فولتير ومنتسكيو، والجيل الثاني في النصف الأخير من ذلك القرن وقوامه جان جاك روسو، ودريدرو، وجماعة العلماء المعروفين برجال الموسوعة.
أما منتسكيو وفولتير: فكلاهما من أهل الطبقة العليا، وكان فولتير عدو الأديان الموضوعة ولا يعترف إلا بالدين الطبيعي القائل بوجود الله وخلود النفس. وقد بشر بالتساهل ودافع عنه في جميع كتبه وطالب بديانة خالية من العقائد والرموز والأسرار، ومقتصرة على تعاليم أدبية واجتماعية شعبية، وقلما خاض فولتير في مسائل الحكومة، وكان تلاميذه الكثيرون يبتعدون عن السياسة ويكتفون بمهاجمة الكهنة وأنظمة الكنيسة تحت عنوان العقل أو الإنسانية.
أما منتسكيو فقد وضع مبدأ توزيع السلطات وهي التشريعية والقضائية والتنفيذية وحض على فصل هذه السلطات بعضها عن بعض ليتسنى للشعب حكومة عادلة، ودافع منتسكيو عن مبدأ استخدام النبلاء في مناصب الدولة وعن عدالة توزيع الضرائب على جميع أفراد الشعب بلا استثناء، ووجوب إلغاء التعذيب والعقوبات القاسية واحترام حرية الفرد.
وكان كتاب الجيل الثاني يعتنقون مبادئ ثورية ويحرضون الشعب على نقض التشكيلات الاجتماعية والسياسية والدينية القائمة، وكان روسو يعتبر أن الإنسان صالح بالطبع إلا أن التشكيلات الاجتماعية القائمة في عصره قد حرمته من خيرات الطبيعية وان حق التملك جائر، وأن الحكومة أكثر جوراً لأنها تستبد بالناس وتنشر بينهم مبادئ شريرة؛ فيجب والحالة هذه القضاء على التشكيلات الاجتماعية القائمة وإبادة حق التملك والحكومة المستبدة ثم الرجوع إلى الطبيعة ليتفق الناس حينئذ على شكل من أشكال الحكومة يستحسنه الجميع ويساوي بين الجميع في الحقوق والواجبات، ويستعاض به عن سلطة الملك بسلطة الشعب ويصبح الوطنيون كلهم سواء، تخول الحكومة التي يختارها المواطنون السلطة المطلقة لتدير وتنمي ثروة البلاد وتنتشر العلوم وتشرف على مبادئ الدين ومعابده. وقد فصل روسو هذه المبادئ الثورية في كتابه الشهير (العقد الاجتماعي). وحينما كان روسو ينشر