وما كانت نشأته إلا في عصر مضطرب اشد الاضطراب تعصف به الناحية السياسية القلقة من جانب، والحياة الاجتماعية المريضة من الجانب الآخر كما تتجاوب فيه الموجة العلمية الفياضة.
وليس بمستغرب أن يدوي صيته في القطر الحضرمي تجاه التموجات التي كان يذيعها من على منبر الإصلاح نحو التوجيه العام، ومن كان في مثل مكانته العلمية خليق أن ينهل من نبع علمه الفياض الراغبون في المعارف والثقافة العالية.
وحسبك أن تعلم أن حضرموت لم تتوان عن الاتصال بهذا السيد الإمام. بل اندمجت فيه وكرعت من حياض علمه الزاخر وانتشت بدعوته الإصلاحية وتبارت في القيام بتنفيذها.
كيف كانت حضرموت في عصره؟
وعلى ماذا تنطوي في دعوته؟
أما حضرموت من الناحية السياسية فقد تمزقت أوصالها وأصبح النفوذ لمن عز كما في المثل. ولبحث هذه الناحية موضوع آخر.
أما ما يتصل بوشائج البحث إلى هذه الناحية فلا بأس من أن ننير السبيل فيها ولو قليلا لكي نتصور اثر النهضة العلمية تصوراً تاماً
١ - كان من اثر قسوة الظلم والفوضى التي سادت في هذا العصر أن تمزقت أوصال الحياة الاجتماعية فنتج عن هذا ازدياد الهجرة ازدياداً خيف من عواقبه الوخيمة بان تصبح البلاد ولم يبق بها من السكان أحد.
وكادت الحال تصل إلى هذه النتيجة؛ فقد جرفت الهجرة عدداً وافراً من أبناء الوطن بل بلغ بها الحال أن سافرت بعض الفخائذ العلوية بأكملها، وإلى اليوم لم يبق بحضرموت منهم أحد. والهجرة وأن تكن قديمة وقد برم بها الأمام الحداد اذو يقول:
مشتتون بأطراف البلاد على ... رغم الأنوف كما تهواه حساد
إلا أنها في هذا القرن بلغت أقصى ما يتصوره العقل.
٢ - كان من جراء الفوضى أن خربت البلاد وقلت حاصلاتها، ولم تبق لدى الزراع رغبة في الزراعة على ضعفها لأنهم يتعرضون للضرائب الفادحة من ناحية الحكام المتعددة أسماؤهم، ولعبث البادية من الناحية الأخرى.