كتب الأستاذ العماري في عدد (الرسالة)(٦٩٤) بعنوان (مع البلاغيين) رداً يزعم فيه:
١ - أن التشبيه الذي يقصد منه بيان حال المشبه تشبيه معتبر معدود، ويمثل له بقول العرب (أسود كحنك الغراب) وقولهم (أحمر كالدم القاني).
وتلك عثرة بطيئة الإقالة، فإن أغمار التلاميذ في المدارس الثانوية يميزون بسهولة بين التشبيه الذي يراد به بيان الحال، والآخر الذي يراد به بيان مقدار الحال، ولنسق عبارة عبد القاهر في هذا المقام لعل فيها مقنعاً للأستاذ الكبير. قال:
(قد يحتاج الوصف إلى بيان المقدار فيه، ووضع قياس من غيره يكشف عن حده ومبلغه في القوة والضعف والزيادة والنقصان، مثال ذلك قولهم هو أسود كحنك الغراب، فالقصد إلى التعريف بمقدار الشدة لا التعريف بنفس السواد على الإطلاق).
وأما الآية الكريمة (وجفانٍ كالجواب) فهي تدل على مقدار الاتساع لا اصل الاتساع، وذلك ما لا يصح أن يقع فيه جدل أو مماراة.
٢ - انه لا يأخذ كلام المتقدمين قضايا مسلمة دائما ولكن هذا - يا سيدي - لا يتفق مع ما جئت به وسقته من كلام عبد القاهر في تحسين التشبيه بين البنفسجة وأوائل النار في أطراف الكبريت فما كان لك من حجة إلا هذا الكلام الذي ساقه، أفبعد أن تطعم على مائدتهم وتتوكأ مغمض العينين على عصاهم تزعم أنك لست كلاًّ عليهم؟
٣ - أن بيت امرئ القيس:
كأن ثبيراً في عرانين وبله ... كبير أناس في بجادٍ مزمل
لا معنى وراءه، وليست هذه الدعوى بالتي يستمع لها، فإنه لما صور الجبل وقد أصابه الوَبْل بعث في نفس السامع الرهبة وأشاع شيئاً من البرودة التي يقتضيها المطر، فشبهه رجلاً مَهيباً مُزَمَّلا في بجادة فأصاب مل أراد من المعنى الذي أحاط به المشبه.