للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ونحن نريد أن نبسط القول في أدوات القصر لنقطع كل حجة على من يتهم العلماء بأنهم ضيقوا دائرته، وأنهم غفلوا عن مزاياه، وأنهم وضعوا في علم البلاغة ما كان يجب أن يوضع في علم النحو، وسنقتصر على الطرق الأربعة التي ذكرها الخطيب القزويني في الإيضاح وهو الكتاب الذي يشرحه الأستاذ في الجامعة ويعلق عليه.

(التقديم) قد كفأنا الأستاذ مؤونة القول في هذا الطريق وأنه لا يؤدي به أصل المعنى فحسب بقوله: (أما التقديم فمادام الأصل فيه التأخير أي أن الحالة الطارئة هي التقديم فلا يكون إلا لملحظ بلاغي).

(العطف) ومن المسلم به عند العلماء والذي لا يعارض الأستاذ فيه أن هذا الطريق لا يؤدي به إلا القصر الإضافي، وأنه (لرد السامع عن الخطأ في الحكم إلى الصواب) وهذه عبارته، وطبيعته القصر الإضافي تقتضي ذلك فهو إما لبيان خطأ المخاطب في اعتقاد الشركة بين الأمرين أو في اعتقاد العكس، وإما لإخراجه من ظلمة التردد والحيرة في قصر التعيين، فهذا الطريق أيضاً لا بد يلاحظ فيه حملظ بلاغي.

(النفي والاستثناء). (إنما) قد فات الأستاذ فيهما أن يرجع إلى الشواهد العربية، ونظر إلى الموضوع من ناحية القواعد الجافة مجردة عن شواهدها، ولو أنه نظر من هذه الناحية لرأى عجباً، كما يرى أن المرجع الأول للبلاغة وهو كلام العرب يدل بوضوح على أن هذين الطريقين لا يجيئان حين يراد أصل المعنى أبداً، وإنما يجيئان حين يقصد المتكلم غرضاً من الأغراض. فالأصل في الأول أن يجيء فيما بجهلة المخاطب وينكره، فإذا جيء به فيما يعلمه لوحظ تنزيل العالم منزلة الجاهل أو تنزيل المعترف منزلة المنكر (وأما الخبر بالنفي والإثبات فيكون للأمر ينكره المخاطب ويشك فيه، فإذا قلت ما هو إلا مصيب قلته لمن يدفع أن يكون الأمر على ما قلته، وإذا كان الأمر ظاهراً لم تقله كذلك فلا تقول للرجل ترققه على أخيه وتنبهه للذي يجب من صلة الرحم ومن حسن التحاب: ما هو إلا أخوك. ومتى رأيت شيئاً هو من المعلوم الذي لا يشك فيه قد جاء بالنفي لذلك لتقدير معنى صار به في حكم المشكوك فيه).

وأما (إنما) فتجئ فيما يعلمه المخاطب ولا ينكره ولكن مع ملاحظة غرض غير ما تضمنه أصل الكلام (أعلم أن موضوع (إنما) على أن تجئ لخبر لا يجهله المخاطب ولا يدفع

<<  <  ج:
ص:  >  >>