صحته أو لما ينزل هذه المنزلة، تقول للرجل إنما هو أخوك، وإنما هو صاحبك القديم، لا تقوله لمن يجهل ذلك ويدفع صحته ولكن لمن يعلمه ويقر به إلا أنك تريد أن تنبهه للذي يجب عليه من حق الأخ وحرمة الصاحب. وأما مثال ما ينزل هذه المنزلة فكقوله:
إنما مصعب شهاب من اللَّ ... هـ تجلت عن وجهه الظلماء
ادعى في كون الممدوح بهذه الصفة أنه أمر ظاهر معلوم للجميع على عادة الشعراء إذا مدحوا أن يدعوا في الأوصاف التي يذكرون بها الممدوحين أنها ثابتة لهم وأنهم قد شهروا بها وأنهم لم يصفوا إلا بالمعلوم الظاهر الذي لا يجهله أحد. واعلم أنه ليس يكاد ينتهي ما يعرض بسبب هذا الحرف من الدقائق).
لعل القارئ يتبين بعد ذلك أننا نخطئ الخطأ الأكبر حين نعتمد على القواعد جافة مجردة عن شواهدها، أو نلجأ إلى الشواهد التي وضعها المتأخرون ثم نحاول هدم القواعد جملة. والذي قلناه في هذه الطرق المشهورة يمكن أن نقوله في كل طرق القصر، وبذلك نجد أن العلماء حين وضعوا القصر في علم المعاني لم يخطئوا.
٤ - أجاب بعض العلماء عن مثل هذا الاعتراض بما أعده (أضعف الإيمان) ولكنه على كل حال جواب صالح. وذلك أن المتكلم قد تدعوه الحال أن يؤدي الكلام مقتصراً على المعنى الأصلي، وما زال العلماء يرون أن خالي الذهن يجب أن يلقى إليه الكلام مجرداً عن التوكيد، وبذلك يطابق الكلام مقتضى الحال. قال التفتازاني في المطول:(أن المقتضى أعم من الواجب والمرجح، ولا نسلم المنافاة بين وجوب الذكر وكونه مقتضى الحال، فأن كثيراً من مقتضيات الأحوال بهذه المثابة) وهو جواب عن المسألة التي ذكرناها في أول هذا المقال.
أما الذهاب بالقصر الادعائي إلى علم البيان فأمره أشد غرابة. وذلك أن علم البيان وضع ليحترز به عن التعقيد المعنوي، فهو يبحث في الجملة من حيث أداؤها للمعنى، فينظر في ألفاظها ومدلولاتها وتركيبها، فمرجع مباحثه إلى اللفظ التركيبي ومدى تأديته للمعنى، فلتشبيه والمجاز والاستعارة والكناية كلها طرق يمكن البحث في صورها من حيث دلالتها على ما سيقت له، وليس كذلك القصر الادعائي فأن المزية التي فيه ليس لها مظهر في صورة الكلام، وإنما مظهرها في اعتبار المتكلم، فتناسى المتكلم لكل حالة غير الحالة