الأسود) و (الفحم الأبيض) وأحرقه بنارهما مع ما جمع من الحديد والفولاذ وأدوات المتاع والزينة والخيلاء والجشع والاستعلاء. . .، وإذا بأوربا موئل الحضارة المادية تشقى بحضارتها وتدمر بوسائل قوتها حتى تصبح خاوية على عروشها لا يطمئن إلى الحياة فيها سكانها وهجرها عشاقها كما تهجر الفيران السفينة حين تشفى على الغرق. . . وإذا الحقيقة الخالدة تتجلى من جديد وهي أن الحياة الإنسانية إذا لم تقم على الطمأنينة والسلام وعقائد الخير وانسجام الإنسان مع ما أراده الله من الطبيعة، فهي إلى فناء وزوال في غدها مهما غنيت في أمسها وحاضرها!
نعمة تستحيل إلى نقمة
وهذه الحضارة نعمة عظيمة لا يكدر صفوها إلا الطيش والجشع بينها؛ لأنها حضارة جعلت للإنسانية قدرة على تحقيق أحلام السيطرة والتغلب على كثير من قوى الطبيعة، وكشفت للبشر عن مدى قدرتهم التي صارت لا يقاس بها ما كان لآلهة الخرافة عند القدماء من قدرة على التكوين والتخريب. فلماذا يصرون على الحروب والخصام بعد أن صار في حروبهم من الهول والدمار ما يسحق جذور الحياة نفسها، وبعد أن وضح لهم أن الأرض دار واحدة لهم جميعاً وأن خيراتها كافية لأن ينعم بها الجميع ويتمتعوا ما وسعتهم القدرة على المتاع؟!
إن ذلك طيش وسفه يجب أن ينهض لمقاومته العصبة ذوو القوة من المفكرين والمربين ودعاة السلام في الشرق والغرب وأن يصدعوا بذلك، كل في محيطه ووطنه والعالم.
وهذا ما أراده عزام باشا حين أخرج بحوث هذا الكتاب الذي لا شك في أنه ضوء عريض سيكشف للعالم جميعه مدى ما عند وارثي (الرسالة الخالدة) من فهم وإدراك وعلاج لمشكلات الفكر والعيش والسلم والحرب والاجتماع، وما لديهم من استعداد عظيم للمشاركة في إقامة حياة كريمة بين الناس جميعاً؛ ومدى ما في طبعهم من سماحة تؤهلهم أن يكونوا بحق (الأمة الوسط) لا في المركز الجغرافي وحده، بل في المركز الفكري كذلك
مسألة المسائل
والمسألة الدينية هي أعظم مسائل الحياة قيمة وتشويقاً وإثارة للجانب السامي في النفس البشرية وللتفكير والرجاء والرغبة والرهبة، وقد كانت ولا زالت محور بحوث العقول