للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المفكرة وعقول الجمهرة، لأنها تتصل بأعماق الفطرة ويترتب عليها قيمة الحياة وقيم الحق والخير فيها، ومعرفة المصدر والغاية منها، وما برحت (ما نحن؟ وما الكون؟ ومن أين؟ وماذا وراء الطبيعة؟ وما هي الغاية؟) أسئلة خالدة تثيرها القوى المفكرة في كل فرد، وهي موجهات الحياة ومكيفاتها، تضل الجماعة البشرية أو تهتدي حسب توفيقها في الإجابة عليها. وهذا الكتاب يعالج الحياة الإنسانية ومشكلاتها بتثبيت جذور هذه المسألة الدينية وتفريع فروعها فيتمشى بذلك مع طبيعة الشرق واتجاهاته من قديم، فالشرق دائماً يعالج حياته المادية بالاستمداد من خالق الوجود وواهب الحياة، ويقيم علاقات الاجتماع على أسس من علاقات الناس والكون بالله. بينما الغرب من قديم كذلك يتمشى مع عقليته المادية، فهو دائماً الباحث المادي الرهين بالمحسوسات المستوحى جفاف الأرقام. . .

ولذلك كان المزاج الشرقي واسع الرحاب برحابه ما يتصوره من عالم الكماليات الإلهية وراء هذه الطبيعة، طليقاً في أحيان كثيرة من القيود المادية التي تحبس الخيال وتربطه بالأرض، يأخذ الماديات لا لعبادتها وتأليهها ولكن للتعلق بمسبب أسبابها.

الحاجة إلى حضارة الروح

والدعوة الدينية هذه في حاجة ماسة إلى الحديث الدائم عنها وخصوصاً في هذا العصر المادي، بأسلوب هذا الكتاب الذي رأى المسألة الدينية أكبر معين لبناء الحضارة المادية على أوتاد ثابتة من الإيمان والإحسان، فاستعان بها اعظم استعانة واستفتى نظرياتها وأفكارها لتطبيقها على التاريخ الحي الذي يحياه الناس الآن، ليريهم أن منشأ ضلال الحياة الغربية هو ترك الاستعانة والاعتماد على الهدى المجرب من هذه المسألة.

وقد ثبت أن من الخير المؤكد للناس أن يحكموا بحكومة الوجدان والضمير من داخل نفوسهم قبل أن تحكم أجسامهم وظواهر أعمالهم بالقوانين، لأن حكومة الوجدان راعيها الله المطلع في كل حين على خائنة الأعين وما تخفي الصدور، بينما حكومة الأجسام لا ترى إلا ما في الشوارع ولن تستطيع أكثر من هذا. . . ولن تقوم حكومة الوجدان إلا في ظلال الدين الصحيح الكفيل بإقناع الناس فيما بينهم وبين أنفسهم بقيم الحق والخير والفضيلة، وبقبح الباطل والشر والإثم والجريمة.

الفكر والسلطة

<<  <  ج:
ص:  >  >>