للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حياتهم، وهي: (لكل مقام مقال) فكان مثلهم مثل من ينصت إلى رجل: فيسمعه مرة يقول لولده مغريا: (لا شك عندي في انك باذل في دروسك يا ولدي قصارى جهدك وسيكون لك إن شاء الله شان عظيم. ولتبلغن بحدك أعلى المراتب وأسماها).

ثم تسمعه مرة أخرى يقول له:

(لن تنجح يا ولدي ما دمت مستسلما لكسلك، متماديا في غيك، مسترسلا في تهاونك) أو يقول له غاضبا ثائرا: (والله لا أفلحت أبداً).

فيزعم أن الوالد متناقض مضطرب، لأنه يتمنى لابنه النجاح مرة والإخفاق مرة اخرى، وينسى انهم أسلوبان متباينان يهدفان - على اختلافهما - إلى غرض واحد: هو حفز الولد إلى الخير. وكلاهما يعبر عن حب أبيه لولده وحرصه على نجاحه.

وما أدري - أيها الصديقان - كيف يشك في صدق إيمان هذا الرجل، دارس متعمق حصيف، يجمع بين الإنصاف والإحاطة والفهم؟

كيف يشك في حسن عقيدة من يقول:

أُقر بأن لي رباً قديراً ... ولا أَلْقَى بدائعه بجَحْد

أو يقول ويصل إلى ذروة الإبداع:

تعالى الله، وهو اجل قدراً ... من الإخبار عنه بالتعالي

إلى آخر ما يقول، فما أنت بحاجة إلى أن أتلو ما يزخر به شعره ونثره من الآيات الدالة على سلامة عقيدته، وخلوصها من الشكوك والأوهام.

٣ - الفطرة المؤمنة

وقد علمتما - يا صاحبي - إنني عرضت لهذا الموضوع في مناسبات عدة لا سيما في رسالتي الغفران والهناء، وكتابي على هامش الغفران، وحديقة ابي العلاء وربما أنجزت كتاب (عقيدة المعري) وأعددته للطبع بعد قليل.

حسبكما الآن قوله في رسالة الغفران، ولعله - على وجازته - ابرع ما رأيت في هذا الكتاب، لأنه يقرر في بلاغة علائية فاتنة: أن الإنسان مؤمن بغريزته، وان الله سبحانه قد وهبه فطرة مؤمنة تعصمه - إذا لاذ بها - من الزيغ والالحاد، كما يعصم الحصن الحصين من يلوذ به ويحيمه من المغيرين واليكما ما قال:

<<  <  ج:
ص:  >  >>