للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

(والتأله (يعني: الإيمان بالله) موجودا في الغرائز، يكون لهن كالإلجاء الحرائر (يعني: كالحصون الحصينة كما تعلمان) وبهذه الجملة البارعة يلتقي المعري بما أبدعه لامرتين في قصيدة (الخلود) وهي من غرر الشعر الفرنسي وروائعه. كما يلتقي مع شكسبير في قوله: (كل ما نلقاه من حسنٌ إذا حسنت خاتمته). فيقول:

(إن ختم الله بغفرانه ... فكل ما لقيته سهل)

لا أدري كيف يجرؤ منصف على اتهام مثل هذا الرجل الطاهر في عقيدته. ألا ما أصدق المثل:

(رمتني بدائها وأنسلت)

ورحم الله ابن الرومي القائل:

ما خمدت ناري، ولكنها ... الفت نفوساً نارها خامدة

قد فسدت في دهرنا انفس ... تستبرد السخنة لا الباردة

٤ - شيطان الشعر

عبد الغني: هل تحسن نظم الشعر وأنت صائم يا أستاذ عماد؟

عماد: كلا فإن سطوة الجوع تكفل هدم كل بيت من الشعر أحاول بناءه. أو لعل شيطان شعري يسجن في شهر رمضان مع سائر إخوانه من الشياطين، وإن كنت أنا نفسي مثلت دور شيطان في هذا الشهر المبارك.

عبد الغني: وكيف كان ذلك يا أستاذ عماد؟

عماد: في ليلة مظلمة من إحدى رمضانات الحرب، التي حرموا فيها النور عدت إلى منزلي متأخرا وكنت مرتديا بذلة سوداء، وبينما أنا واقف أمام الباب والشرع مقفر اقبل شخص من بعيد، ولكنه حين لمحني تباطأ في مشيته ثم وقف مترددا، فأدركت انه خاف مني. وانه حسبني أحد شياطين الظلام، فدفعني خبث العبث إلى أن امثل دوري إلى النهاية. فتقدمت نحوه خطوتين فاضطرب وكاد يولي هاربا، ولكن إلى أين؟ وقد علم سلفا أني أدركه بوثبة شيطانية واحدة. وكان منزله لسوء حظه مقابلا لمنزلي، فجمع قواه واندفع يجري من أمامي في سرعة من الريح وهو يتلو آية الكرسي في صوت عال محاولا إحراقي بها، وأنا أشير إليه إشارات تزيده رعبا، حتى أدرك باب منزله فارتمى فيه على

<<  <  ج:
ص:  >  >>