سلطان مع سلطانه، فلا يتوجه قلب من يعرفه إلى غيره ولا يخشاه إذ تتساوى الخلائق في ملكوته وفي العبودية له. فالمؤمن شجاع صادق صريح جرئ في الحق مناضل للباطل والفساد، كريم، وفي ودود إلى آخر صفات المروءة والكمال.
وأما التكافل فهو مبني على مسئولية الفرد عن الجماعة ومسئولية الجماعة عن الفرد واعتبار المسئوليتين هما أولى الوسائل في الإصلاح الاجتماعي إذ بهما ينشأ (الرأي العام) الحارس لكيان الأمة البصير بمصالحها، الدافع للآفات عنها المعالج بالتشريع لما ينشأ من أدوائها.
وأما البر فهو الإحسان والمواساة للفقراء، والمتخلفين في المجتمع. والفقر هو مشكلة العصر ومادة حديث الدعوات السياسية والاجتماعية والبر نتيجة للتكافل الجماعي. ولم يجعل الدين الفقر سببا لازدراء صاحبه بل كانت أول مواساة الفقير هي شعوره بالمواساة مع غيره من الأغنياء. والفقير لعجز أو مرض جعل الدين مواساته وكفاية حاجاته حقا له على المجتمع (والذين في أموالهم حق للسائل والمحروم) والفقر لفقد الوسيلة إلى العمل جعل الدين علاجه واجبا على الدولة بإيجاد وسائل العمل والتكسب. والعمل هو الأصل وقد حض عليه الدين كثيرا.
وقد طارد الدين الترف في أعلى المجتمع والبؤس في أسفله ليجعل مستوى الحياة متناسقا، وكذلك حارب الاكتناز والربا والإسراف في الشهوات، واستعلاه طبقة طبقة؛ إذ المؤمن الصادق لا يضمر في نفسه انه خير من خادمه مع سيطرته عليه. وقد أعطى الإسلام سلطات واسعة لولي الأمر ليحقق البر والمساواة بين الناس، ودعا إلى البر بجميع الوسائل بالترغيب والرهيب، وجعل حق الفقير حق الله فهو مصون وليس لأحد أن يمن به. والبر والدين بر عام شامل لفقراء المسلمين وغيرهم لا فرق بين فقراء دين وفقراء آخر.
والحق في هذا الفصل بيانا واضحا لطرقة مكافحة الفقر بتثبيت قواعد البر وصوره في الضمير قبل ظواهر القوانين. وأما العدالة والحرية فهما مبدآن في السياسة وفي الدين الذي هو محطم القيود والأغلال الوهمية عن النفس البشرية، ولن يقوم مجتمع صالح إن لم يؤسس على بعض ميزانهما الذي لا يحابي الأحباب ولا يظلم الذين وقع عليهم البغض والشنآن.