للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والحرية في الإسلام من اقدس الحقوق في السياسة والفكر والدين والحياة المدنية، وهي مكفولة للصابئ والمجوسي واليهودي والنصراني والمسلم يقول ويكتب ما يشاء في حدود المصلحة العامة فلينظر من شاء كما يشاء في الكون ليستنبط لنفسه ما يراه حقيقة تطمئن نفسه إليها، ولا ملام عليه ولا جناح.

في العلاقات الدولية

في هذا الباب فصول ستة يتجلى بها الطابع الأصيل الذي غلب على حياة المؤلف كرجل سياسة من الطراز الأول، وقد أتى في فصوله بأبحاث بكر عن الدولة الإسلامية الأولى وتاريخ علاقتها بالمناهضين للإسلام، وحلل أولى معاهدة دولية بين المسلمين واليهود والوثنيين، وخرج منها بمبادئ تجعلها نموذجا قديما لعصبة الأمم الحديثة. ثم بين الدعاوي والأسباب التي جعلت الحرب الدفاعية أمرا لا مناص منه بين الدولة الإسلامية الناشئة والمناهضين لها، وبين تقييد الحرب في الإسلام بالأغراض السامية، سلبية كانت كدفع الظلم والاعتداء عن النفس وعن المظلوم أيا كان، أم إيجابية كالخير العام أو الصالح العام، لا يجوز أن تكون أغراضها هي التوسع في الملك أو الاستعمار أو تعجيز الآخرين لإضعافهم عن المنافسة في ميادين العيش، ولا العلو والاستكبار وحب البطش.

وبين أن الإسلام دين عملي يواجه الحقائق حين أباح الحرب لدفع العادية أو نصرة المظلوم، وما ورد في القران من آيات الشدة والغلظة على الأعداء وليس معناها الدعوة إلى الابتداء بالاعتداء وإنما هي تحميس للنفوس إذا وقعت الحرب فعلا ولم يكن مناص منها؛ لان الضعف والذل ظلم للنفس لا يرضاه الله بل يعاقب عليه. والحرب الهجومية لا يبيحها الإسلام مطلقا؛ والحرب المشروعة ضرورة تقدر بقدرها؛ فإن جنح الخصم للسلم فليجنح لها المسلمون متوكلين على الله، فالإسلام على استعداد دائم لعقد اتفاقات مع من شاء لصيانة السلم، ولا تخالف في الإثم والعدوان.

والمسيحية وإن حرمت الحرب تحريما قاطعا إلا أن الحياة العلمية التي واجهت المسيحيين جعلتهم يختلفون في تحريمها. فالكنيسة الشرقية احتلها بإسراف حين خلطت بين شخصية الرئاسة الدينية وشخصية الدولة الزمنية في شخص واحد فوضت إليه أن يعلنها كما يشاء، بينما حرمتها الكنيسة الغربية في القرون الأولى للمسيحية تحريما باتا حتى ولو كانت دفاعا

<<  <  ج:
ص:  >  >>