وقد لجا المسيحيون أخيرا إلى شبيه بالنظرية الإسلامية التي جمعت بين ما يقتضيه إقامة صرح العدالة العالمية وما تقتضيه الرحمة والاخوة البشرية والأنصاف وكبح أهواء النفس الشريرة وجنون الدماء وإقامة السلام.
وقد وضع الإسلام آدابا عامة للحرب وآدابا خاصة حين فشل في القضاء على الحرب كما فشل في القضاء على الرق؛ لان تنظيم الشر الذي لابد منه خير. وقد أتى في هذه الآداب بما في طاقة البشر من السمو، وروح الفروسية والنبل ورحمة الأعداء وحماية حقوق المستأمن ومسالمة غير المحاربين ومجاملة رسل العدو والإحسان للاسرى، والترفع عن التخريب والإحراق وإيذاء الضعفاء وغير المحاربين، وقد امتلأ تاريخه بهذه الخلال التي تجعل الحرب كأنها ميدان لظهور مكارم الأخلاق ظهورا قد يغطي على ما فيها من سفك الدماء. . .
وقد أتى المؤلف في هذا الباب بنظرة جديدة في أحكام الأسر والاسترقاق تجعل استرقاق الأسرى لا سند له من القران والسنة الصحيحة، وقد انحنى بالحجج العقلية والنقلية على ما يقال من جواز القتل لعلة الكفر أو الشرك وحدهما، وبين أن هذا ينافي روح الإسلام الذي يقرر ان لا إكراه في الدين، وقد أمده التاريخ بنصوص وحوادث لا سبيل إلى الشك فيها.
وقد بين أن السلم الدائمة هي أساس العلاقات الدولية في نظر الإسلام، وان الحرب طارئة عليها. وقد دفع التهم والأوهام التي تزعم ان دعوة الإسلام قامت على السيف وتقوم به وان الإسلام بصفته دينا ودولة في حالة نزاع دائم مع من يخالفونه، وبين إن روح الإسلام السليمة واحدة في مكة أيام الضعف وفي المدينة في عهد القوة، وقد استشهد بالأجانب وبالتاريخ وقد بين أطراف العهود والمواثيق التي يمكن أن تقوم بين دولة إسلامية وغيرها سواء أكان ذلك الغير جماعة إسلامية أخرى أم جماعة معاهدة أم جماعة ليس بينها وبين المسلمين عهد.
ومن الأمور الهامة التي رأى فيها رأيا جديدا مسالة التخيير بين الإسلام والجزية والسيف؛ فقد بين ان هذه الحالات الثلاث التي كانت تعرض على الأعداء ليست آتية في عمل المسلمين على سبيل الحصر فقد وجدت اتفاقات وحالات سلم بين المسلمين وجيرانهم ودول