عند جوازه، فإذا فسخوا الصلح وأصبحوا في حالة حرب لا يناجزون خصومهم إلا بعد إعلامهم بالفسخ، ومضي الوقت الكافي ليخبر الملك رعاياه في أطراف البلاد وعند تخوم المسلمين، حتى إذا هاجمهم هؤلاء لا يكونون مأخوذين على غرة وغفلة. وهذه درجة من الإنصاف قصر عنها أهل زماننا مع ما عندهم من حقوق الدول وقواعد الحرب، فإن دول العصر الحاضر تبدأ بالهجوم وسائر أعمال الاعتداء حالما تعلن الحرب، دون أن تكون مجبرة على الانتظار بعد الإعلان، حتى إن بعضها تهاجم قبل إعلان الحرب بصورة رسمية كما فعلت اليابان بالمدرعات الروسية الراسية في ميناء سيول في لوريا سنة ١٩٠٤ وغير ذلك.
ومن هذا القبيل قاعدة عدم أخذ العامة بجرائر الخاصة، وهذا مستند للآية الكريمة (ولا تزر وازرة وزر أخرى) فنهوا عن تحميل المغارم أهل القرى بالجملة لأجل الجرائم التي يقترفها أفراد منهم. وأنت ترى أن حكومات هذا العصر تفرض الغرامات على القرى وتأخذ الطائعين فيها بجريرة العاصين. وأمامنا حوادث التقتيل والتهجير في القرن العشرين بمرأى أوربة ومسمعها، وإن شئت فقل برضاها، تدلنا على أن العرب في عنفوان دولتهم كانوا أقرب إلى العدل والإنصاف من أكثر أهل هذا الزمان.
وقد شرعوا أيضاً أن خروج الشراذم من المعاهدين واعتداءهم على بلاد المسلمين بغير إذن ملكهم لا يعد نقضاً للعهد ولا يوجب الغرم على الملك المعاهد أو على قومه بصورة عامة. وهذا مبلغ من الإنصاف جدير باحترام أرقى الصور وأعلقها بالإنسانية والعدل. وما زالت الدول غير خاضعة لهذه القاعدة ولا عاملة بها، فقد حملت إيطاليا الغرم دولة اليونان بسبب اعتداء بعض اليونانيين على البعثة الإيطالية في اليابان، وفرضت عليها غرامة خمسين مليون فرنك مع أشياء أخرى واحتلت جزيرة كورفو ضماناً لإنقاذ هذه المطالب. وفعلت إنكلترا مثل ذلك مع الحكومة المصرية في مقتل السر لي ستاك باشا فأخذتها بجريمة بعض الشبان. وجرى في بلاد الشام حوادث شتى من هذا القبيل في أثناء الحرب العالمية السابقة، وبعدها في أيام الثورة، كما أخذت النمسا حكومة السرب بجناية اغتيال ولي العهد بيد فتى سربي، وكان كذلك سبباً مباشراً لاضطرام الحرب الكونية (الماضية)، وغير ذلك.
ومن المبادئ العربية العالمية اجتناب قتل النساء والأطفال، وهذا أيضاً تقاصرت عنه