المدنية الحديثة فإن وقائع الحرب العالمية وحوادث ثورة دمشق سنة ١٩٢٥ و ١٩٢٦ وما لا يحصى غيرها من فواجع القتال أدلة ناطقة على أن قواعد حقوق الحرب التي تحظر على المحاربين إطلاق القنابل على الأماكن غير المحصنة لا توجد إلا في بطون الأوراق والدفاتر.
وقال (هولتز ندورف) و (ريفي): إنه يوجد في الفقه الإسلامي جميع القواعد الجوهرية التي تتعلق بشريعة الحرب، ولم تقتصر على الفتح والغنيمة بل تجاوزتها إلى فرض الضرائب وذكر المواد المحرمة على التجارة ونظائرها، مما لا يختلف إلا اسمه عما يستعمل في يوم الناس هذا.
وقال (غولد زيهر): إن معاملة الفاتحين من المسلمين لأصحاب الأديان الأخرى في هذا العهد الأول الذي وضعت فيه أسس الشرع الإسلامي كانت معاملة رفق ورحمة، وليست الخطط التي تسير عليها الدول الإسلامية في هذا العصر مما يقرب في أخلاقها السياسية من التسامح إلا وهي مقتبسة من القواعد التي وضعت في النصف الأول من القرن السابع، ومن إطلاق الحرية لغير المسلمين من الموحدين في القيام بفروضهم الدينية. . . وكما أنهم كانوا أحراراً في دينهم فقد كان على المسلمين أن يحاسنوهم في شؤون دنياهم، وعد ظلم أهل الذمة من الذنوب والكبائر.
وقال (المسيو لوران) المؤرخ الفرنسي: إن أرمينية التي سبق لها أن دخلت في طاعة هرقل، أحسنت بعد ذلك استقبال المسلمين للتحرر من ربقة بيزنطة، ولتستعين بهم على مقاتلة الخزر، فعاملهم العرب معاملة حسنة، وتركوا لهم أوضاعهم التي ألفوها وساروا عليها.
أما الأساس الشرعي لاستقلال أرمينية المحلي، فهو عهد أعطاه معاوية سنة ٦٥٣ إلى القائد تيودور رختوني ولجميع أبناء جنسه، فكانت اضطهادات بيزنطة الدينية دافعاً للأرمن على الدخول في هذا العقد على عجل والرضا بسيادة العرب الذين هم أكثر تسامحاً من الروم. وهذا الشرط الذي منح لأرمينية انتهى أمره بأن أصبح قاعدة للعلاقات بين العرب وجميع النصارى القاطنين في الولايات الأرمينية. وقد أعطى به معاوية عهده للأرمن ما داموا راغبين فيه، من جملته ألا يأخذ منهم جزية مدة ثلاث سنين، ثم يبذلون له بعد ذلك ما