شاءوا كما عهدوه وواثقوه، وعليهم أن يقوموا بحاجة ١٥ ألف فارس منهم ينفق عليهم من أموال الجزية، ولا يستدعى هؤلاء الفرسان إلى الشام ولكنه يرسلهم إلى سواها حيث يشاء، ولا يرسل إلى معاقل أرمينية أمراء ولا قواداً ولا خيلاً ولا قضاة، وإذا أغار عليها الروم أمدها بكل ما تريده من نجدات. وهو يشهد الله على قوله.
فعلى هذا العقد أصبح الأرمن مستقلين في بلادهم تابعين لسيادة الخليفة العليا، على شروط ارتضوها، فاحتفظوا بأمرائهم ورؤسائهم وأوضاعهم العسكرية وطبقاتهم الدينية، وكان الخليفة يكتب إليهم عهوده كما يكتب إلى أمراء المسلمين، ويلبس الأمير الجديد في موكب حافل تاجاً وخلعة فاخرة وسيفاً ويركب فرساً ويقلد كل رسوم الأمارة وشاراتها، ثم يستعرض الجند في أحسن هيئاتهم وهم يرتلون الأناشيد ويعزفون بالموسيقى، ويتلى بعد ذلك عهد الخليفة.
هذا وعلى ما كان يتمتع به أمراء الأرمن من الاستقلال، فقد كان يشرف عليهم ويراقبهم أمير من لدن الخليفة، وقد يكون في الغالب عامل إحدى الولايات المجاورة.
وقال (الدكتور جب) المستشرق الإنجليزي:
لابد للباحث عن مصير الإسلام أن يتساءل عما إذا كان من الممكن أن يحتفظ المسلمون بوحدتهم الدينية أمام هجمات العلوم الأوربية، وتجاه الفوارق السياسية.
ولابد له أن يفكر فيما إذا كان الإسلام عدواً للمدنية الغربية أو نصيراً لها، وفيما إذا كان اقتباس المسلمين لهذه المدينة سيوجد بينهم فوارق فكرية تجعل منهم أمماً مختلفة الآراء والثقافة؟
يظهر لأول وهلة أن الإجابة على هذا السؤال مستحيلة، إلا أنه يمكن للباحث أن يتنبأ من سير الحوادث بشيء عن مستقبل الإسلام.
لاشك في أن البلاد العربية المتجانسة كمصر والجزيرة وسورية والعراق ستلعب دوراً يكون له الشأن الأول في مصير الإسلام.
لهذه البلاد المتجانسة ثقافة راقية تتقدم يوماً فيوماً بفضل اللغة العربية الفصحى وسهولة المواصلات، مما يساعد على توحيد الثقافة فيها توحيداً تاماً.
إن يقظة الإسلام في مصر وفلسطين والجزيرة والعراق وسورية حقيقة لا تنكر، ولن تقف