للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يكون للسودان أن يختار بعد أن يكون قد تهيأ لحكم نفسه بنفسه.

هذه هي السياسة الصريحة المتكشفة، وهذه هي بريطانيا على حقيقتها، وهذه هي ألفاظها المكتوبة مفسرةً في تصريح حاكم السودان. فليت شِعْري ما الذي يظنُّه امرؤ في نفسه ذَرةٌ من الإيمانِ بحقّ الإنسان في الحرّية. ما الذي يظنه ذلك في تفسير نصوص المعاهدة التي يُرادُ لنا أن نرتبط بها مع هذه الإمبراطورية؟ ومهما تكن نصوصُ المعاهدة، ومهما يُقَلْ في تسويفها أو تفريطها، وسواء أكانت هذه المعاهدة المعروضة اليوم أم غيرُها، فهل يحِلُّ لمصريٍّ أو عربيٍّ أن يأمَنَ على بلادهِ بعد هذه الخَديعة التي لا تعرفُ وَرَعاً ولا حياءً؟!

وليس هذا فحسب، لقد قال حاكم السودان ما شاء، فماذا كان جواب الحكومة المصرية على هذا التصريح العجيب! كان هذا الجواب الذي ينشر رئيس الوزراء كلمة يحتج فيها على تصرف حاكم السودان، وأنه قد تجاوز حدود وظيفته من حيث هو حاكم إداري، ومن حيث هو موظف مصري بريطاني معاً! أيكون حقاً حاكم السودان من حيث هو حاكم إداري، ومن حيث هو موظف مصري بريطاني معاً! أيكون حقاً حاكم السودان هو المسئول عن تصريحه، وهو ينسبُ ما يقول إلى الحكومة البريطانية بلسانه! هذا، ومن الغفلة أن يظن ظانٌّ أن رجلاً إنجليزياً يدير شيئاً من أمور هذه الإمبراطورية يجرؤ أن يتكلم من ذات نفسه بالنيابة عن حكومته ويوقعها في ورطة سياسية كهذه الورطة. إذن أفما كان أولى وأجمل وأكرم وأنبل وأشجع أن يوجه الاحتجاج رأساً إلى الذي أنطق هذا الرجل بما نطق به ون يقال لهذه الحكومة البريطانية (المفوضة) إنك أنت الملومة لا هذا الرجل! ولكن هكذا كان.

فما الذي سيكون غداً أيها الرجال المدافعون بأقلامكم وألسنتكم إذا جاءتكم لجنة الدفاع المشترك، وجاء البريطاني، ونطق لسانه بما لا تطيقه هذه الأمة ولا ترضى عنه؟ أتظنون أن موقف الرجال المصريين الذي سيختارون ليكونوا أعضاء في هذه اللجنة ممن تستطيع أن تعمل (معهم)، سوف يكون أكرم وأولى أو أشجع من موقف رئيس الوزراء السابق حيال تصريح حاكم السودان؟ ستكونون كما قلتم: هذا مطعنٌ في الضمير الوطني المصري. . . وكلاَّ؟ ليس هذا مطعناً، فإن الرجال الذين سيختارون هذه اللجنة سيكونون ممن (صنعوا على عين بريطانيا) منذ احتلت مصر في سنة ١٨٨٢ إلى هذا اليوم. ولأن يقال أن هذا الذي تقول مطعنٌ خير من أن تلقى مصر كلها تحت أقدام بريطانيا وفي تنُّور حروبها،

<<  <  ج:
ص:  >  >>