للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المنصور تلميذه عيسى، ومضى إلى جنديسابور ومعه عشرة آلاف دينار وخادم، فوصلها حياً.

وحل عيسى محل جورجيس. فأخذ يبسط يده في التشارر والأذية، خاصة على الأساقفة والمطارنة، ومطالبتهم بالرشى وأخذ أموالهم. وكان فيه شرارة وطمع فلما خرج المنصور في بعض سفراته ووصل إلى قرب (نصيبين) كتب عيسى إلى مطران نصيبين يتهدده ويتوعده إن منع عنه ما ألتمسه. وكان عيسى قد ألتمس أن ينفذ له من آلات البيعة أشياء جليلة ثمينة لها قدر، وكتب في كتابه: أليس تعلم أن أمر الملك في يدي، إن أردت أمرضته، وإن أردت شفيته. فأحتال المطران في التوصل إلى الربيع وشرح له صورة الحال وأقرأه الكتاب، فأوصله الربيع إلى الخليفة، فأمر المنصور بأخذ جميع ما يملكه عيسى، وتأديبه، ونفيه ففعل به ذلك.

ثم أن المنصور سأل عن جورجيس ليؤتى به. فأمتنع لضعفه وأنفذ إلى الخليفة تلميذه إبراهيم. فقربه المنصور وأكرمه وخلع عليه، ووهب له مالاً، واستخلصه لخدمته. ولم يزل في الخدمة إلى أن مات المنصور.

وكان أبو قريش طبيب المهدي. وكان يعرف بعيسى الصيدلاني، ولم يكن طبيباً، وإنما كان صيدلانياً ضعيف الحال جداً، فتشكت حظية للمهدي ذات يوم، وتقدمت إلى جاريتها بأن تخرج القارورة إلى طبيب غريب لا يعرفها. وكان أبو قريش بالقرب من قصر المهدي. فلما وقع نظر الجارية عليه أرته القارورة، فقال لها: لمن هذا الماء؟ فقالت: لامرأة ضعيفة. قال: بل لملكة عظيمة الشأن، وهي حبلى بملك! وكان هذا القول منه على سبيل الرزق. فانصرفت الجارية من عنده وأخبرت الحظية بما سمعته منه، ففرحت فرحاً شديداً، وقالت ينبغي أن تضعي علامة على دكانه حتى إذا صح قوله اتخذناه طبيباً لنا. وبعد مدة ظهر الحبل، وفرح به المهدي فرحاً شديداً؛ فأنفذت الحظية إلى أبي قريش خلعتين فاخرتين وثلاثمائة دينار. وقالت: استعن بهذا على أمرك، فإن صح ما قلته اصطحبناك. فعجب أبو قريش من ذلك وقال: هذا من عند الله، لأنني ما قلته للجارية إلا وقد كان هاجساً من غير أصل. ولما ولدت الحظية، وهي الخيزران، موسى الهادي، سُرّ المهدي به سروراً عظيماً. وحدثته جاريته بالحديث، فاستدعى أبا قريش وخاطبه، فلم يجد عنده علماً بالصناعة، إلا

<<  <  ج:
ص:  >  >>