من هذا أنهم كانوا يكلفوننا إنشاء الحوار علىألسنة الحمير والقطط وأنواع البهائم، وكيف لي بأن أفكر بعقل حمار حتى أتكلم بلسانه، كما يفكر الأستاذ المحترم حين يصحح الأوراق ويميز صادقها من كاذبها!
وما كان المدرسون ينظرون إلى صورة بارعة أو معنى مبتدع، إنما ينظرون إلى كلمة جاءت على غير الفصيح، أو فعل عدّى بغير الحرف الذي يتعدى به، هذا لأن المدرسين كانوا لا يفهمون إلا النحو والصرف واللغة، أما اليوم فلم يبق ولا هذا، مع الأسف، لأن أكثر المدرسين تعلموا العربية في باريس على أصمعي العصر الشيخ مارسيه. . . والذين نجوا من هذه السَّبة بعثهم الآن ليتعلموا في بلجيكا وسويسرا، أي والله، بل إن شيخاً مدرساً في الجامع الأموي، سيبعثونه ليتعلم علوم الدين في لندن!
على أن الذين تعلوا من طلابنا في الأزهر وجامعة مصر، لم يكونوا أقوى ولا أحسن من أولئك. . . وهذه كلمة حق قلتها ورزقي على الله!
قيمة الفلسفة والأدب:
ولعلّ المرض قد جعلني متشائماً أرى كل شئ في الدنيا أسود. . . وكذلك الإنسان يصيبه صداع يحتاج إلى حبة (أسبرين) أو إمساك دواؤه شربة (زيت خروع) فتبدل نظرته إلى الحياة وآراؤه فيها؛ فلو كان فيلسوفاً لكان متشائماً، ولو كان شاعراً لكان شاعراً أحزان، ولو كان قصصياً لكان مؤلف مآسٍ وفواجع. .
أفتكون قيمة الفلسفة المتشائمة والأدب الباكي، قيمة حبة أسبرين وشربة زيت خروع؟!
ثمرات درس الأخلاق:
ونظرت من الشباك أتسلى، وكان تحته كومة رمل أبيض وضعها جارنا ووكل رجلا وولده بنقلها إلى حديقته. فأقبل تلاميذ المدرسة، فقال عفريت منهم: تعالوا نسرق من هذا الرمل، فقالوا: إن الولد يرانا. قال: نعمل مثل الراعي الكذاب الذي قال لنا المعلم قصته، حين نادى: الذئب الذئب، فجاءوا فلم يروا شيئاً، وضحك منهم، فلما طرقه الذئب حقيقته ونادى لم يجئه أحد، قالوا: وكيف نفعل؟ قال العفريت: انظروا.
وأقبل كأنه يريد أن يسرق فنادى الولد أباه، فترك عمله في الحديقة وأقبل، فلم ير شيئاً