ووقفت الفتوح أيام على رضى الله عنه حتى خيف على المسلمين من فلول الروم.
أرأيت ما يفعل الخلاف في الدولة القوية الفتية المتماسكة المتينة الأساس؟.
إنه يطمع فيها حتى المغلوب المشرف على الدمار، دع ما أريق في سبيله من دماء غالية بدأت بالخليفة الصابر الشهيد عثمان بن عفان رحمة الله، ثم رفدت بدماء عشرات الألوف. هذا (يوم الجمل) وهو يوم واحد أسفر عن خمسة عشر ألف قتيل على أقل تقدير في بضع ساعات، فلا تسل عما بعده من (يوم النهروان) و (يوم صفيرة) وغيرها من تلك الأيام التي أعملنا فيها سلاحنا في أنفسنا فأوقعنا الوهي في دولتنا والتفرقة في صفوفنا والعداوة في قلوبنا. . . وكان الله قد غسل هذه القلوب وجمع تلك الصفوف.
ولو أن هذه القوى المتطاحنه يوم الجمل ويوم صفين. . . اجتمعت على الخير فسارت إلى قوى الشر شرقاً وغرباً لأكلت الدنيا بقوتها، ولأحالت العالم حينئذ جنة يتحدث بنعيمها وسعادة أهلها الركبان. لكن الله الذي أيد هذه الأمة أول أمرها قضى أن يكون بأسها بينها، فامتلأ تاريخنا بالحروب الداخلية وتحول عن مجراه السعيد الذي كان جرى فيه لخير الإنسانية عامة؛ قضاء من قضاء الله لا حيلة فيه. ولست أدري ما يكون حال دنيانا الآن لو أن العرب لم يفسدها الخلاف والتطاحن ولم تنزل بأسها بينها؟
ولو ذهب باحث يحصى هذه الدماء المراقة في سبيل الخلاف منذ قتل عثمان حتى اليوم، في المشرق والمغرب والأندلس. . . إذا لأفزعته هذه الملايين منها، ملايين لو بذلت في سبيل الحق لكان تاريخ العالم كله على غير ما نعرف، ولكنا أهل الحضارة حتى الآن وإلى الأبد لا يلم بشمسنا أفول.
وقد خاف رسول الله صلى عليه وسلم على أمته آثار الخلاف، فسأل ربه - فما سأل - أن يجنبهم إضراره، إذ علم أن هذه القوى الهائلة المتراصة التي عمرها إيمان لم تعرف الأرض له مثيلا كفيلة بفتح الأرض كلها لدعوة الخير والحق، لا تقف لها قوة إلا أن تنشق هي على نفسها فرووا عنه أنه قال: سألت ربي ثلاثاً فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة: