والأراضي الخاضعة لها في العراق والمشرق، وأن صاحب هذا التشريع هو صاحب الأمر والنهي، وكان هذا بطبيعة الحال من شأنه أن يقرب بين الفواطم في مصر والمسيطرين على بغداد أصحاب الأمر والنهي، وأن يوجد نوعاً من العلاقات الحسنه بينهما، وإن كانت العلاقة الطيبة تظهر من ناحية البويهيين أكثر جلاء من ظهورها من ناحية الفواطم، وكان هذا طبيعياً لأن الخليفة الفاطمي كان يُعد في نظرهم إمامهم والرمز الروحي لهم، وهو من النبعة الطاهرة التي يدينون بنحلتهم لها. نلمس هذه الروح والميل الصريح نحو الفواطم مما حاوله معز الدولة البويهي بالكشف عما في قلبه بالبيعة للخليفة الفاطمي لولا أن أشار عليه أصحاب النظرة البعيدة من أتباعه بتركه هذا الأمر خوفا على سلطانه وسلطانهم، ونفوذه ونفوذهم فالخوف هو الحائل الوحيد في سبيل إعلان الفاطميين أئمة عليهم؛ ومع ذلك فالخضوع الروحي للفواطم كان يعلمه الملأ في كل مكان وتحت سمع الخلافة السنية وبصرها؛ فمبدأ الاحتفاظ بسطوتهم في بغداد لا يتنافى أبداً مع إظهار ولائهم للفاطميين، ولعل العلاقة الرسمية لم تكن من القوة والصفاء مثلما كانت في عهد عضد الدولة البويهي. وقد احتفظ لنا أبو المحاسن برسالة من العزيز الفاطمي رداً على رسالة عضد الدولة فيها يشكره على ولاءه وخضوعه، وقد انتهز عضد الدولة هذه الفرصة ووصول مندوب العزيز بهذا المكتوب لُيذل الخلافة السُّنية فأمر المطيع وهو الخليفة السني آنذاك بالخروج لاستقباله. بل تمادى عضد الدولة وقرأ الرسالة مع ما تحمله من خضوع سافر وولاء ظاهر للفواطم في حضرته حتى دهش أبو المحاسن وتعجب، وإن كان ليس هناك ما يدعو للعجب لاجتماع البويهيين والفواطم في رمز واحد وإمام واحد هو (عليّ). ويجعل بنا أن نعرض بعض ما جاء في هذه الرسالة ففيها (,. . إن رسولك وصل إلى حضرة أمير المؤمنين مع الرسول المنفذ إليك فأدى ما تحمله من إخلاصك في ولاء أمير المؤمنين ومودتك ومعرفتك بحق إمامته ومحبتك لآبائه الطائعين الهادين المهديين. . ثم ذكر كلاماً طويلا في المعنى). أما بقية الكتاب فيستدل منها على أن العلاقة لم تقف عند تبادل عبارات المودة والصداقة بل تعدتها إلى تبادل الرأي والمشورة فيما يحيط بهما في العالم الإسلامي من خطر خارجي.
هذه هي مظاهر العلاقة الرسمية بين بغداد والقاهرة. . وهناك مظاهر أخرى لها تتمثل في اشتراك أهل مصر من الشيعة وبغداد في بعض الأعياد الدينية مثل النوح في أيام