عاشوراء، وهذه الظاهرة استمرت منذ أن استقر البويهيون في العراق. . .
هذه هي مظاهر التفاهم بين بغداد والقاهرة، والتي كانت نتيجة للرابطة التي بينهما كما ذكرت فخنقت هذه المعاملة الحسنة كما أنها هي التي منعت كلا من الفاطميين والبويهيين على أن يقضى الواحد منهما على الآخر، وذلك بالرغم من أن غرض الفواطم الرئيسي كان تدمير العباسيين المغتصبين للخلافة، ولكنهم لما وجدوا تشيعاً في بغداد مالكا لها أحجموا عن اتخاذ هذه الخطوة العدائية. ولكن مع هذا لم تكن العلاقة صافية تماماً في هذه الفترة، لأن وجود قوتين متواجهتين يؤدي حتما إلى نوع من التنافس قد يتعدى إلى حوادث أخرى وبخاصة في أول هذه الفترة، ولكن رغم تقلب الحوادث سرعان ما تعود الأمور إلى مجراها بحكم اتفاقهم في المبدأ؛ فمثلا نرى عز الدولة باختيار قد أمدَّ القرامطة بالمال والسلاح عند ما تقدم الفواطم وكادت نارهم تلفح وجه العراق وقد كان مدفوعاً لاتخاذ هذه الخطوة خوفا على ملكة، ولكن سرعان ما عادت الحال إلى الصفاء بعد ذلك. إذ ظهرت بأجلى صورها في عهد معز الدولة وعضد الدولة.
الفترة الثانية:
تأتي هذه الفترة بعد عضد الدولة إلى نهاية الدولة البويهية. كان طبيعياً، العلاقة الحسنة بين بغداد والقاهرة والتي استمرت على أتم صفاء، وبلغت أقصاها في عهد معز الدولة، وعضد الدولة آلا تستمر إلى الأبد، لأن السلطان البويهي الذي كان عاملا مهماً على التفاهم بدأ يضعف، أصبح الخلفاء العباسيون قادرين على التدخل في أمور الدولة والسياسة وانتهزوا فرصة هذا الضعف لإظهار ما يكون من عواطف البُغض والحقد للدولة الفاطمية. لذلك يجب أن نعتبر أن العلاقة في هذه الفترة على نقيض الفترة السابقة إذ اتخذت مظهراً آخر من القسوة والكفاح وظهرت نيات الطرفين واضحة بالبغضاء. ولعل أول مظهر لاسترداد الخلفاء العباسيين سلطانهم المفقود هو منعهم (كما يذكر أبو المحاسن) الرافضة من أهل الكرخ والطاق من النوح في يوم عاشوراء ومن تعليق المسوح، ولكن هذا التحرر نوعاً من قيود البويهيين ليُعنى أن الخليفة العباسي قد أُطلقت يده أو أن في استطاعته أن يعمل شيئاً إيجابياً فهذا من المحال. لأن الخلافة العباسية كانت في أخريات أيامها عاجزة عن كل هجوم إيجابي على من قاسموهم سلطانهم وإن كانت لا تعجز عن الهجوم بسلاح آخر هو