إلى أسيادهم كأنهم من ظلال القدرة العلية في الأرض. وعندما تألم هؤلاء عملوا في سبيل وجود أفضل و (مجتمع أصلح) فأخذوا ينفثون القوة في هؤلاء الذين استكانوا للظلم وراحوا يعلمونهم معنى الحق والعدل والحرية. هذه الألفاظ التي خلقوها خلقاً وأوجدوها إيجادا. وأما المطالبة بالخبز فلم تكن إلا جانباً من الشعور بالحق، هذا الشعور الذي ابتدأ فكرة مجردة ثم أخذ يعمل ليكون حقيقة واقعية. فبعد أن تمكنت فكرة الحق من النفوس عرف الناس أن من حقهم أن يشاركوا في الرفاء والسعادة الأقلية المحتكرة. فالفكر هو الذي هدى وعلم ولم يكن أصحاب الخبز إلا تابعين يأتمون بإمامته. كان الفكر هو المحرك وكانت المادة عنصراً من عناصر التي تعاونت معه. كان هو الأصل. . . هو الحقيقة الأصلية، وإن شئت فقل هو الجوهر المفرد الذي يتركب منه الكون. قل لأصحاب المادة - كما يقول لهم الأستاذ أحمد أمين - هذه عناصر الخلية اخلقوا لنا منها خلية كخلايا الوجود. وعندما ستعرف أنهم لا يستطيعون فعل ذلك مهما أوتوا من مقدرة علمية، لأن جوهر الخلية كنه مجهول ينفث فيها الحياة، وهو سر غامض لا ندري ما هو وكل ما نعرفه عنه ما يبدو من آثاره.
(ثانيا) يجول الماديون ويصولون ويروحون ويجيئون في دوائر جهنمية لا حدود ولا منتهى لها. وكل ذلك ليفسروا فلسفة عمياء كليلة لا تملك من مقدمات الأسس المنطقية ما تستطيع بها أن تحيط بالوجود من جميع جوانبه. وهم يريدون تفسير الوجود فكان أمامهم طريقان: إما أن يقولوا إن هناك قوة مدركة حية تحرك الكون وتدير الحياة وهي بمثابة العلة الأولى لكل هذه النتائج، وإما أن يركبوا متن الشطط فيؤمنوا بالمادة الصماء التي لا تعقل ولا تحس، فاختاروا التفسير الثاني وتركوا الأول. ولا أدري لماذا نترك فلسفة تفسير الوجود بالوجود لنتعلق بأهداب فلسفة غامضة تفسر الوجود بالعدم. فأمامكم يا ناس حركة وأمامكم حياة فلم لا تؤمنون بقوة الحركة وبقوة الحياة، لتغوصوا في أعماق مجهولة لتؤمنوا بالجماد الذي لا يتحرك ولا يحس. إن مثلكم كمثل الذي يؤثر الظلمة على النور، أو كمثل الذي يمسك بالحقيقة البينة ولكنه يدعها تفلت منه لأنه يستعذب الجري والركض ولو إلى غير غاية.
(ثالثاً) ومهما تشعب القول فان هذه المادية منقوضة علما ومنطقا، فهي لا تستطيع أن تفسر ما الأمل وما الطموح وما الأحلام. كما لا تستطيع أن تفسر لماذا يموت الجندي في سبيل