الفنون على أن يجرد أو ينقص نصيب الأدب العربي منها: فهذا الأدب يغلب عليه طابع المعاني العامة المتبلورة والقضايا الذهنية الكلية، ويطالع القارئ بنتيجة التجربة النفسية لا بطريقتها التي تشغل الحس وتستثير الخيال؛ وهو فقير في الصور والظلال؛ والشعر العربي لا يستطيع أن يقف على قدميه أمام الشعر العالمي فيما يلمح وراء الألفاظ والمعاني من الظلال الإنسانية والحالات النفسية؛ وأن الطبيعة لم تكن متصلة بإحساس الشعراء العرب اتصال الصداقة والألفة، فالطبيعة في الشعر العربي (تستعمل من الظاهر!)
والأستاذ سيد يطلق هذه القذائف في وجه الأدب العربي؛ ثم يخلو إلى قطع مختارة من الأدب الغربية والهندية والفارسية، معظمها من كتاب (عرائس وشياطين) للأستاذ العقاد، فيعكف على ما فيها من الميزات التي جرد منها الأدب العربي، ويأتي من الشعر العربي بما يراه مجرداً من اللحم والدم. . . وهذا صنيع عجيب لأن القطع غير العربية التي أتى بها مختارة، والأستاذ العقاد الذي اختار هذه القطع من معادنها التي هو خبير بها لم يفعل شيئاً مما فعله سيد قطب في استخدامها في الجملة على الأدب العربي
ولست أرى المجال هنا لإثبات ما نفاه المؤلف عن الأدب العربي، لأنني هنا بصدد التعريف والنظرات العامة.
وأستطيع الآن أن أقول إن الأستاذ يجاوز ميدانه جاهداً، فيثير غباراً تقذى بع عيون بريئة. . .
ولم يكن المؤلف منصفاً كل الإنصاف في الموازنة بين شوقي وعزيز أباظة في الرواية الشعرية، ومرد ذلك - فيما ألمح - إلى ما استقر عنده من هو أن أمر شوقي في الشعر، وقد بدأ تحامله على شوقي في نقد الأبيات الآتية من (مجنون ليلى):
لمْ إذن يا هند من ... قيس ومما قال تبرا
أنعم (مناز) مساء ... نعمت سعد مساء
أوغل الليل فلنقم ... بل رويدا واسمعي (ليل) خلي عني دعني
يأخذ عليه في البيت الأول تسكين ميم (لم) وتسهيل الهمزة في (تبرا) وفي الباقي ترخيم منازل وليلى بجعلهما (مناز) و (ليل) وبعد هذه ضرورات يعيبها عليه. . . مع العلم بأن تسكين هزة (لم) وتسهيل الهزة كثير جداً في الشعر، ولا غبار عليه. . . أما ترخيم المنادى