للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وأرواحهم، ثم أبدان ملايين أخر من أهل الأمم التي تجاورنا ونستعين بها وتستعين بنا.

ونحن لا نقول هذا ولا نسوق الحجة على هذا الوجه لندعي - كما يراد لنا اليوم أن ندعي - أن لمصر حقاً في استعمار السودان أو احتلاله أو الوصاية عليه أو غير ذلك من الأباطيل المضللة، بل لنقول إن هذا وحده يوجب عقلاً أن يكون وادي النيل كله دولة واحدة، لها حكومة واحدة، وتشريع واحد، ونظام نيابي واحد، شأن السودان فيها كشأن أسوان، وقنا وجرجا ومديريات مصر كلها، فإن موقع أية مديرية من هذه المديريات كلها هو من الناحية الجغرافية كموقع السودان؛ فلو جاز أن يفصل السودان اليوم عن مصر بحجة، فهذه الحجة تنطبق كل الانطباق على أسوان ثم قنا ثم جرجا إلى أن تبتلع النيل كله. وأيضاً فإن مكان السودان كمكانها من الناحية التاريخية والأدبية والأخلاقية والدينية. وإذن فالنيل يحدث بلسانٍ لا يكذب بأنه لا يمكن أن يتجزأ إلا إذا جاز التجزؤ على هذه المديريات حتى تصبح كل واحدة دولة قائمة برأسها. والشعب الذي يسكن اسفل الوادي (المعروف باسم مصر)، والشعب الآخر الذي يسكن أعلاه (المعروف باسم السودان)، شعب واحد ناطق بلسان عربي مبين لا يعرف نفاق اللسان إنجليزي ولا تكاذبه وخداعه، بأنه أيضاً لا يستطيع أن يتجزأ، ولا هو قابل للتجزؤ.

ولقد استزل الشيطان بعض ساستنا؛ فأخذوا يقولون إن مصر لا تريد أن تستعمر السودان، بل تريد أن تمنحه الاستقلال الذاتي! فحلا حلا أيها الرجال، فإن هذا ما يريده الإنجليز، إنهم يريدون أن تقروا بألسنتكم ما الحق شاهد على بطلانه، وهو أن الشعب المصري شيء، والشعب السوداني شيء آخر؛ ويريدون أن تقولوا إن النيل ممكن أن يتجزأ، ولو بعض التجزؤ، فإن هذا حسبهم منكم اعترافاً وتقريراً. فتوبوا أيها الساسة من هذا الإثم، ولا يرهبكم حق تقرير المصير، ولا مجلس الأمن، ولا هيئة الأمم المتحدة، فإن هذه الرهبة باطل كلها. توبوا أيها الساسة، ولا تخافوا من أكذوبة الدانوب، فهو النهر الوحيد الذي تتعدد الدول على حفافيه، وهو نهر ليس له قيمة زراعية. واعلموا أنه لا يكاد يوجد في الدنيا كلها نهر زراعي واقع مجراه في أكثر من أمةٍ واحدةٍ، وهذه الأمة الواحدة يكون لها كل السلطان عليه من منبعه إلى مصبه. لا تخافوا أيها الساسة وتوبوا وتبرءوا مما قلتم، وخير لكم أن تدرسوا طبيعة النيل والأضرار المخوفة من تمزيقه، وأن تعرفوا ماذا تريد إنجلترا بفصل

<<  <  ج:
ص:  >  >>